وخطب بالناس بعرفة، وقد اجتمعوا من كل أفق لشهود الحج معه، علمهم في خطبته معالم دينهم وأوصاهم وقال في خطبته: أني خشيت ألا أراكم ولا تروني بعد يومي هذا في مقامي هذا وقد خلفت فيكم ما إن تمسكتم به بعدي لن تضلوا، كتاب الله وعترتي أهل بيتي فإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، حبل ممدود من السماء إليكم، طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم، وأجمل صلى الله عليه وآله ذكر الولاية في أهل بيته إذ علم أن ليس فيهم أحد ينازع فيها عليا عليه السلام وأن الناس إن سلموها لهم سلمو (١) بما هم لعلي عليه السلام، واتقى عليه وعليهم أن يقيمه هو بنفسه، فلما قضى حجه، وانصرف وصار إلى غدير خم، أنزل الله عز وجل عليه: ﴿يا أيها الرسول بلغ ما انزل إليك من ربك فإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس﴾ (٢) فقام بولاية علي عليه السلام ونص عليه كما أمر الله تعالى فأنزل الله عز وجل: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا (٣).
فالخبر عن قيام رسول الله صلى الله عليه وآله بغدير خم بولاية علي صلوات الله عليه وعلى الأئمة من ولده. وما قال في ذلك مما ذكره من ولايته أيضا من مشهور الاخبار، ومما رواه الخاص والعام، وفي ذلك أبين البيان على إمامته واستخلافه إياه على أمته من بعده أن جعله أولى بهم منهم بأنفسهم كمثل ما كان الله عز وجل جعله هو فيهم بقوله: ﴿النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم﴾ (4).