قال: فطلع رجل من أهل بغداد مستلئما شاكي السلاح فجعل يشتم أهل الكوفة ويقول: لنفجرن بنسائكم ولنفعلن بكم ولنصنعن، وانتدب إليه رجل من أهل الوازار - قرية بباب الكوفة - عليه إزار أحمر وفي يده سكين، فألقى نفسه في الفرات وسبح ساعة حتى صار إليه، فدنا منه فأدخل يده في جيب درعه وجذبه إليه فصرعه وضرب بالسكين حلقه فقتله، وجر برجله يطفو مرة ويغوص مرة أخرى حتى أخرجه إلى الكوفة فكبر الناس وارتفعت أصواتهم بحمد الله والثناء عليه والدعاء.
وخرج رجل من ولد الأشعث بن قيس فعبر إلى البغداديين ودعا للبراز فبرز إليه رجل فقتله، وبرز إليه آخر فقتله، وبرز إليه ثالث فقتله، حتى قتل نفرا.
وأقبل أبو السرايا فلما رآه شتمه وقال: من امرك بهذا؟ ارجع فرجع فمسح سيفه بالتراب ورده في غمده وقنع فرسه ومضى نحو الكوفة، فلم يشهد حربا بعدها معهم ووقف أبو السرايا على القنطرة طويلا، وخرج رجل من أهل بغداد فجعل يشتمه بالزنا لا يكنى. وأبو السرايا واقف لا يتحرك، ثم تغافل ساعة حتى هم بأن ينصرف، ثم حمل عليه فقتله وحمل على عسكرهم حتى خرج من خلفهم، ثم حمل عليهم من خلف العسكر حتى رجع من حيث جاء. ووقف في موقفه وهو ينفخ وينفض علق الدم عن درعه.
ثم دعا غلاما له فوجهه في نفر من أصحابه وأمره ان يمضي حتى يصير من وراء العسكر، ثم يحمل عليهم لا يكذب، فمضى الغلام لوجهه مع من معه قاصدا لما أمره به، ووقف أبو السرايا على القنطرة على فرس له أدهم محذوف، وقد اتكأ على رمحه فنام على ظهر الفرس حتى غط، وأهل الكوفة جزعون لما يرونه من عسكر زهير، ويسمعونه من تهددهم ووعيدهم، وهم يضجون ويصيحون بالتكبير والتهليل حتى يسمع أبو السرايا فينتبه من نومه، فلم ينتبه حتى ظن أن الكمين الذي بعثه قد انتهى إلى حيث أمره فصاح بفرسه: قتال، ثم قنعه حتى رضى بحفزه