فقال أبو السرايا: يا بن رسول الله، كان هذا تدابير الحرب، ولست أعاود مثله. ثم رأى في وجه محمد الموت فقال له: يا بن رسول الله، كل حي ميت، وكل جديد بال، فاعهد إلي عهدك.
فقال: أوصيك بتقوى الله، والمقام على الذب عن دينك، ونصرة أهل بيت نبيك صلى الله عليه وآله، فان أنفسهم موصولة بنفسك، وول الناس الخيرة فيمن يقوم مقامي من آل علي، فان اختلفوا فالامر إلى علي بن عبيد الله، فاني قد بلوت طريقته ورضيت دينه. ثم اعتقل لسانه، وهدأت جوارحه، فغمضه أبو السرايا وسجاه، وكتم موته، فلما كان الليل أخرجه في نفر من الزيدية إلى الغري فدفنه.
فلما كان من الغد جمع الناس فخطبهم، ونعى محمدا إليهم وعزاهم عنه فارتفعت الأصوات بالبكاء إعظاما لوفاته. ثم قال: وقد أوصى أبو عبد الله رحمة الله عليه إلى شبيهه ومن اختاره، وهو أبو الحسن علي بن عبيد الله، فان رضيتم به فهو الرضا، وإلا فاحتاروا لأنفسكم.
فتواكلوا ونظر بعضهم إلى بعض، فلم ينطق أحد منهم فوثب محمد بن محمد ابن زيد وهو غلام حدث السن، فقال: يا آل علي: فات الهالك النجا، وبقي الثاني بكرمه، إن دين الله لا ينصر بالفشل، وليست يد هذا الرجل عندنا بسيئة، وقد شفى الغليل، وأدرك الثأر، ثم التفت إلى علي بن عبد الله فقال: ما تقول يا أبا الحسن رضي الله عنك؟ فقد وصانا بك أمدد يدك نبايعك، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:
إن أبا عبيد الله رحمة الله عليه قد اختار فلم يعد الثقة في نفسه، ولم يأل جهدا في حق الله الذي قلده، وما أرد وصيته تهاونا بأمره، ولا ادع هذا نكولا عنه، ولكن أتخوف ان اشتغل به عن غيره مما هو احمد وأفضل عاقبة، فامض رحمك الله لأمرك واجمع شمل ابن عمك، فقد قلدناك الرياسة علينا، وأنت الرضا عندنا، الثقة في أنفسنا. ثم قال لأبي السرايا: ما ترى؟ أرضيت به؟ قال: رضائي في رضاك وقولي مع قولك، فجذبوا يد محمد بن محمد فبايعوه، وفرق عماله.