فطحن العسكر وأكثر القتل فيه، وغنم دوابهم وأسلحتهم، وانقطع الباقون في الليل منهزمين حتى وافت زهيرا بالقصر فتغيظ من ذلك. ورجع أبو السرايا إلى الكوفة، وزحف زهير حتى نزل ووافت خريطة من الحسن بن سهل، يأمره ألا ينزل إلا بالكوفة، فمضى حتى نزل عند القنطرة.
ونادى أبو السرايا في الناس بالخروج، فخرجوا حتى صادفوا زهيرا على قنطرة الكوفة في عشية صردة باردة، فهم يوقدون النار يستدفئون بها، ويذكرون الله ويقرأون القرآن، وأبو السرايا يسكن منهم ويحثهم.
واقبل أهل بغداد يصيحون يا أهل الكوفة: زينوا نساءكم وأخواتكم وبناتكم للفجور، والله لنفعلن بهم كذا وكذا. ولا يكنون. وأبو السرايا يقول لهم:
اذكروا الله وتوبوا إليه، واستغفروه واستعينوه، فلم يزل الناس في تلك الليلة يتحارسون طول ليلتهم، حتى إذا أصبح نهد إليهم فوقف في عسكره، وقد عشيت ابصار الناس من الدروع والبيض والجواشن وهم على تعبئة حسنة، وأصوات الطبول والبوقات مثل الرعد العاصف، وأبو السرايا يقول: يا أهل الكوفة صححوا نياتكم، وأخلصوا لله ضمائركم، واستنصروه على عدوكم وابرأوا إليه من حولكم وقوتكم، واقرأوا القرآن، ومن كان يروي الشعر فلينشد شعر عنترة العبسي: قال: ومر بنا الحسن بن الهذيل يعترض الناس ناحية ناحية ويقول: يا معشر الزيدية، هذا موقف تستزل فيه الاقدام، وتزايل فيه الافعال. والسعيد من حاط دينه، والرشيد من وفى لله بعهده، وحفظ محمدا في عترته. ألا ان الآجال موقوتة، والأيام معدودة من هرب بنفسه من الموت كان الموت محيطا به، ثم قال:
من لم يمت عبطة يمت هرما * الموت كأس والمرء ذائقها.
قال أبو الفرج الأصبهاني: الحسن بن الهذيل هذا، صاحب الحسين المقتول بفخ، وقد روى عنه الحديث.