وكان من أفضل أهل بيته، وأكبر أهل زمانه في زمانه في علمه بكتاب الله وحفظه له وفقهه في الدين وشجاعته وجوده وبأسه وكل امر يجمل بمثله حتى لم يشك أحد انه المهدي وشاع ذلك له في العامة وبايعه رجال من بني هاشم جميعا من آل أبي طالب، وآل العباس، وساير بني هاشم ثم ظهر من جعفر بن محمد قول في أنه لا يملك. وان الملك يكون في بني العباس فانتبهوا من ذلك لأمر لم يكونوا يطمعون فيه.
وخرجت دعاة بني هاشم إلى النواحي عند مقتل الوليد بن يزيد، واختلاف كلمة بني مروان فكان أول ما يظهرونه فضل علي بن أبي طالب وولده وما لحقهم من القتل والخوف والتشريد، فإذا استتب لهم الامر ادعى كل فريق منهم الوصية لمن يدعو إليه. فلما ظهرت الدعوة لبني العباس وملكوا حرص السفاح والمنصور على الظفر بمحمد وإبراهيم لما في أعناقهم من البيعة لمحمد، وتواريا فلم يزالا ينتقلان في الاستتار والطلب يزعجهما من ناحية إلى أخرى حتى ظهرا فقتلا صلوات الله عليهما ورضوانه!
قال أبو الفرج الأصبهاني: وأنا أذكر من ذلك طرفا يتسق به خبرهما دون الإطالة لسائر ما عندي من ذلك إذ كان هذا كتابا مختصرا قريب المأخذ، وكان شرح جميع ما روى في ذلك - على كثرته - يطول به الكتاب.
وكان أبو عبيدة سيدا من سادات قريش وأجوادها قال الزبير - فيما أخبرني حرمي بن أبي العلاء - قال: حدثني سليمان بن عياش السعدي قال: لما توفي أبو عبيدة وجدت عليه ابنته هند وجدا شديدا فكلم عبد الله بن الحسن محمد بن بشير الخارجي في أن يدخل على هند بنت أبي عبيدة فيعزيها ويؤسيها عن أبيها فدخل معه عليها فلما نظر إليها صاح بأبعد صوته:
قومي اضربي عينيك يا هند لن ترى * أبا مثله تسمو إليه المفاخر وكنت إذا أثنيت أثنيت والدا * يزين كما زان اليدين الأساور