عنه الآبي بأن العلو في حديث الحبر بمعنى السبق إلى الرحم لأن ما علا سبق، ويتعين تفسيره بذلك فإنه في حديث المرأة جعل العلو علة شبه الأعمام والأخوال وجعله في حديث الحبر علة الإذكار والإيناث فلو أبقينا العلو في حديث الحبر على بابه لزم مقتضى الحديث أن يكون العلو علة في شبه الأعمام والأخوال وفي الإذكار والإيناث، ولا يصح لأن الحس يكذبه لأنا نشاهد الولد ذكرا ويشبه الأخوال، ووجه الجمع بين أحاديث الباب أن يكون الشبه المذكور في هذا الحديث يعنى به الشبه الأعم من كونه في التذكير والتأنيث وشبه الأعمام والأخوال والسبق إلى الرحم علة التذكير والتأنيث، ويخرج من مجموع ذلك أن الأقسام أربعة: إن سبق ماء الرجل وعلا اذكر وأشبه الولد أعمامه، وإن سبق ماء المرأة وعلا انث وأشبه الولد أخواله، وإن سبق ماء الرجل وعلا ماءها اذكر وأشبه الولد أخواله، وإن سبق ماء المرأة وعلا ماءه انث وأشبه الولد أعمامه.
قوله (قال: هو الخضر (عليه السلام)) هو حي موجود، ومن امة نبينا (عليه السلام)، وكان نبيا وله شغل في هذا العالم، قال العياض: قد اضطرب العلماء في الخضر (عليه السلام) هل هو نبي أو ولي؟ واحتج من قال بنبوته بكونه أعلم من موسى (عليه السلام) إذ يبعد أن يكون الولي أعلم من النبي، وبقوله تعالى: (ما فعلته عن أمري) لأنه إذا لم يفعله بأمره فقد فعله بالوحي، وهذه هي النبوة، واجيب بأن ليس في الآية تعيين من بلغه ذلك عن الله تعالى فيحتمل أن يكون نبي غيره أمره بذلك، وقال المازري: القائل بأنه ولي القشيري وكثير.
وقال الشعبي: هو نبي معمر محجوب عن أكثر الناس، وحكى الماوردي فيه قولا ثالثا أنه ملك، قيل: والقائلون بأنه نبي اختلفوا في كونه مرسلا، فإن قلت: يضعف القول بنبوته بحديث «لا نبي بعدي» قلت: المعنى لا نبوة منشؤها بعدى والا لزم في عيسى (عليه السلام) حين ينزل فإنه بعده أيضا هذا كلامه.
وقال الثعلبي: قد اختلف فقيل كان في زمن إبراهيم (عليه السلام)، وقيل: بعده بقليل، وقيل: بعده بكثير، وقيل: إنه لا يموت إلا في آخر الزمان حين يرفع القرآن، وقال بعضهم: جمهور العلماء الصالحين على أنه حي وحكايات اجتماعهم به في مواضع الخير وأخذهم منه وسؤالهم عنه وجوابه لهم لا تحصى كثرة، وشذ بعض المحدثين فأنكر حياته. انتهى كلامه.
وقال الآبي في كتاب إكمال الإكمال: هو حي وحياته الطويلة جائزة، وفيه حكايات لا تحصى كثرة فمنها ما رواه مسلم أنه دخل على أم سلمة فقال لها النبي (صلى الله عليه وآله): ذلك الخضر، ورووا أن زوجتيه إحداهما السوداء والاخرى البيضاء وأنهما الليل والنهار، ونقل عن بعض من رآه أنه سأله هل لك زوجة؟ فقال لي: زوجتان سوداء وبيضاء، ولم يذكر الليل والنهار، ونقل غير ذلك من الحكايات.