والترحم والتوقير المذكورة، ومنها إيصال السوء والمكروه إليهم، ومنها عدم ودفع الظلم عنهم، وكل هذه وأمثالها مما يوجب لحوق الذل بهم ورفع العز عنهم، وإذلال المؤمن وفعل ما يوجب إذلاله مذموم قطعا وموجب لتبدد النظام وانقطاع الألفة المطلوبة شرعا.
قوله (و لم يفقرهم فيكفرهم) (1) أفقره وأكفره أي جعله فقيرا وكافرا يعني لم يجعلهم فقراء ذوي الفاقة لا صبر لهم بمنع حقوقهم فيجعلهم كفارا لأنهم ربما ارتدوا إذا منعوا عن الحق; ولذلك قال (صلى الله عليه وآله) - كما روي عنه -: «الفقر كاد أن يكون كفرا» وأصل الكفر تغطية الشيء تغطية تستهلكه.
قال في النهاية: الكفر صنفان أحدهما بأصل الإيمان وهو ضده، والآخر الكفر بفرع من فروع الإسلام فلا يخرج به عن أصل الإيمان، وقيل: الكفر على أربعة أنحاء: كفر إنكار بأن لا يعرف الله أصلا ولا يعترف به، وكفر جحود ككفر إبليس يعرف الله بقلبه ولا يقر بلسانه، وكفر عناد وهو أن يعرف بقلبه ولا يدين به حسدا وبغيا ككفر أبي جهل وأضرابه، وكفر نفاق وهو أن يقر بلسانه ولا يعتقد بقلبه.
قوله (و لم يغلق الباب [كذا] دونهم) تقول أغلقت الباب إغلاقا فهو مغلق إذا سددته، وأما غلقت الباب غلقا على صيغة المجرد فهي لغة ردية متروكة، وإغلاق الباب كناية عن منع الوالي رعيته من الدخول عليه والوصول إليه وعرض الأحوال عليه، وعدم تفقده لأحوالهم غفلته عنها فإن ذلك يوجب وقوع الهرج والمرج فيهم وأكل قويهم ضعيفهم وتسلط الظلمة والأعداء عليهم.
قوله (و لم يخبزهم في بعوثهم) الخبز بفتح الخاء المعجمة فالباء الموحدة الساكنة فالزاي المعجمة: السوق الشديد، عن أبي زيد، وأنشد:
لا تخبزوا خبزا وبسا بسا * و لا تطيلا بمناخ حبسا والبس: السوق اللين، والبعوث: الجيوش، جمع بعث وهو الجيش، تقول كنت في بعث فلان أي في جيشه الذي بعث معه، وهذا يحتمل وجهين: أحدهما أن الوالي لا ينبغي له أن يسوق