شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٥ - الصفحة ٢٢٧
وقد كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) أعلم الناس جميعا باتفاق الأمة ؤ دلت عليه روايات العامة أيضا، روى مسلم أنه (صلى الله عليه وآله) قال: «إني لأعلمكم بالله» وأيضا قال «أني أعلمهم بالله وأشدهم خشية» والعقل الصحيح يقتضي أن يكون نائبة أيضا أفضل الأمة جميعا، ولم يكن غير الأمير الجليل سيد الوصيين موصوفا بهذه الصفة بالاتفاق ولا ريب في أن هذه الصفة تبلغ كنهها وكمالها عقول البشر فكيف يجوز لهم اختيار الإمام بآرائهم القاصرة، وعقولهم الناقصة واعلم أن بعض الصوفية قال: إن علوم الأنبياء والأوصياء (صلى الله عليه وآله) ضرورية وسماه كشفا وهذا كلام فيه إجمال إذ يحتمل أن يراد بكونها ضرورية أنهم جبلوا عليها في أصل الفطرة ولم يستعملوا فيها نظرا أصلا، وأن يراد أن النظريات تصير في حقهم ضروريات بعد تحصيلها بالنظر بحيث لا يتأتي الانفكاك عنها ولا يتطرق إليها التشكك كما في العلوم الضرورية والأول أقرب بالنظر إلى مذهبنا. قوله (وراع لا ينكل) في بعض النسخ وداع بالدال المهملة والنكول: الجبن والضعف والامتناع يقال: نكل عن العدو ينكل بالضم أي جبن وضعف و امتنع من الإقدام عليه يعني أن الإمام راعي الامة وحافظهم لا يضعف ولا يمتنع من إجراء الأحكام والحدود عليهم و دفع المضار والعدو عنهم.
قوله: (معدن القدس) العدن: الإقامة ومنه سميت جنة عدن أي جنة إقامة يقال: عدن بالمكان يعدن عدنا إذا لزمه ولم يبرح منه، والمعدن: اسم مكان منه وهو موضع الإقامة يعني أن الإمام محل إقامة التقدس من العيوب (1) والطهارة من الذنوب ومحل النسك والزهادة أي الإتيان بجميع ما

١ - قوله: «محل إقامة التقدس من العيوب» الظاهر أنه تمهيد لما يأتي بعد ذلك من اشتراط كون الإمام من أهل بيت رسول الله والذرية الطيبة، من كونه معدن القدس كونه في هذا البيت الشريف الذي ظهر منه كل خير، وهذا مبني على قاعدة اللطف الذي يقول به الشيعة الإمامية وإن كل مقرب إلى الطاعة ومبعد عن المعصية يجب على الله تعالى إن لم يوجب الجبر والقهر، ولا ريب أن انقياد الناس للبيت الشريف الذي كان عريقا في الرئاسة والكرم والزهد أسهل وحجتهم على المدعين للباطل أقوى ألا ترى أن من ترأس وهو من بيت الملك كان أقوى له في الأمر والناس أطوع له ولو كان بيته من الجبابرة وكان أولاد جنكيز وتيمور يتمسكون لاحقيتهم بالملك بانتسابهم إلى الشجرة الخبيثة ويدحضون بذلك حجة خصومهم وقدرتهم فكيف لو كان بيت الملك كبيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) بيت طهارة وقدس ونبوة وكان ملوك الصفوية لنسبتهم إلى موسى بن جعفر الكاظم (عليهم السلام) أقوى الملوك وأدعم ركنا واحكم أساسا وأحب إلى الرعية من جميع البيوت التي تملكت بعد الإسلام مع مخالفتهم مذهب أكثر أهل البلاد، وكان ملوك بنى العباس يقدحون في نسب الفاطميين ملوك مصر ليقل بذلك اعتبارهم وعزتهم ولا يرغب في ملكهم المسلمون وبالجملة فإطاعة المسلمين لبيت النبي (صلى الله عليه وآله) أقرب وأسهل وإن كانوا غير معصومين فكيف لو كان المعصوم منهم متصديا للإمامة مع نص رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولما علم الله تعالى أن جعل الإمامة في ذرية رسول الله ونسل المطهرة البتول أسهل لقبول الناس وأقرب لهم إلى الطاعة وكان هذا البيت أشهر وأعرف البيوت في العالم وكان معرفتهم قريبة إلى أذهانهم وكان تكليف الناس بتفحص المعصوم من البيوت الخاملة نظير التكليف بما لا يطاق خصهم بهذه الموهبة الشريفة وقد تمسك به قريش في صدر الإسلام على أولويتهم بالأمر من الأنصار بأنهم عترة الرسول والعرب تدين لهم ولا تدين لغيرهم من القبائل و هذا الاحتجاج ثابت في بني هاشم وذرية فاطمة بالنسبة إلى غيرهم واقتبسنا كثيرا من ذلك من كلام هشام بن الحكم (رحمة الله) في مجلس يحيى بن خالد على ما رواه في كتاب كمال الدين على ما يأتي إن شاء الله. (ش)
(٢٢٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 222 223 224 225 226 227 228 229 230 231 232 ... » »»
الفهرست