يجسروا على القول بمقتضى آرائهم، أم على قلوب أقفالها المانعة من دخول الحق المبين فيها وانكشاف أمر الدين لها. قيل: تنكير القلوب لأن المراد قلوب بعض منهم وإضافة الأقفال إليها للدلالة على الأقفال المناسبة لها مختصة بها لا تجانس الأقفال المعهودة.
قوله: (أم طبع الله على قلوبهم فهم لا يفقهون) أي لا يعلمون ما في متابعة القرآن وموافقه الرسول من السعادة وما في مخالفتهما والقول بالرأي من الشقاوة. والطبع: الختم وهو التأثير في الطين ونحوه، والطابع بالفتح: الخاتم وبالكسر: لغة فيه. وقال صاحب الكشاف: الختم والكتم أخوان لأن الاستيثاق من الشيء بضرب الخاتم عليه كتما وتغطية لئلا يوصل إليه ولا يطلع عليه ثم قال: فإن قلت لم أسند الختم إلى الله تعالى وإسناده إليه يدل على المنع من قبول الحق والتوصل إليه بطريقه وهو قبيح والله تعالى عن فعل القبيح علوا كبيرا لعلمه بقبحه وعلمه بغناه عنه وقد نص على تنزيه ذاته بقوله «وما أنا بظلام للعبيد» «وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين» «إن الله لا يأمر بالفحشاء» ونظائر ذلك مما نطق به التنزيل. قلت: القصد إلى صفة القلوب بأنها كالمختوم عليها وأما إسناد الختم إلى الله عز وجل فلينبه على أن هذه الصفة في فرط تمكنها وثبات قدمها كالشئ الخلقي غير العرضي ألا ترى إلى قولهم فلان مجبول على كذا ومفطور عليه يريدون أنه بليغ في الثبات عليه. وله توجيهات اخر إن أردت معرفتها فارجع إلى تفسير قوله تعالى «ختم الله على قلوبهم».
قوله: (أم قالوا سمعنا) كالمنافقين (وهم لا يسمعون) سماع انقياد و إذعان فأنه لا يسمعون أصلا، وهذا كما يقال: فلان لم يسمع نصيحتي إذا لم يعمل بمقتضاها.
قوله: (إن شر الدواب) أي شر البهائم (الصم) عن الحق (البكم الذين لا يعقلون) إياه، ذم من لم يعمل بالآيات القرآنية ولم يتدبر فيها و عدهم من البهائم التى لا تعقل شيئا وجعلهم شرا لإبطالهم عقولهم التي بها يتميزون من البهائم ومن جملة تلك الآيات ما دل على المنع من القول في الدين بالرأي والاختيار وهم عينوا أعظم أمور الدين وهو الإمام بآرائهم واختيارهم حتى ضلوا وأضلوا.
قوله: (ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون) أي لو علم الله فيهم خيرا وانقيادا في وقت وإذعانا في حين لأسمعهم إسماعا موجبا لا نقيادهم وإذعانهم فيه ولو أسمعهم كذلك لتولوا وارتدوا بعد الإذعان والتصديق وهم معرضون عنه لعنادهم واستخفافهم إياه. قيل: هذا في صورة قياس اقتراني فيجب أن ينتج لو علم الله فيهم خيرا لتولوا وهذا محال لأنه على تقدير إن يعلم الله فيهم خيرا لا يحصل منهم التولي بل الانقياد. قلت: لا نسلم أن هذا محال