بناء على ما فسرنا الآية لأن اللازم على تقديران يعلم الله فيهم خيرا في وقت أن يحصل منهم الانقياد في ذلك الوقت، ولا ينافي ذلك أن يحصل منهم التولي والارتداد بعده. وأجاب عنه بعض المحققين ولعله المحقق الطوسي بعد حمل الخير على السعادة المطلقة الدائمة: بأن المقدمتين مهملتان وكبرى الشكل الأول يجب أن تكون كلية ولو سلم فإنما تنتجان لو كانت الكبرى لزومية وهو ممنوع ولو سلم فاستحالة النتيجة ممنوعة لأن علم الله فيهم خيرا محال إذ لا خير فيهم و المحال جاز أن يستلزم المحال.
وقال بعض الأفاضل: وهذا الجواب وأصل السؤال كلاهما باطل لأن لفظ «لو» لم يستعمل في فصيح الكلام في القياس الاقتراني وإنما يستعمل في القياس الاستثنائي المستثني منه نقيض التالي لأنها لا متناع الشيء لا متناع غيره ولهذا لا يصرح باستثناء نقيض التالي لانه معتبر في مفهوم لو فلو صرح به كان تكرارا و كيف يصح أن يعتقد في كلام الحكيم تعالى وتقدس أنه قياس اهملت فيه شرائط الانتاج، وأي فائدة تكون في ذلك وهل يركب القياس إلا بحصول النتيجة، بل الحق أن قوله تعالى ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم» وارد على قاعدة اللغة وهي أن «لو» لا متناع الجزاء لأجل امتناع الشراط، يعني أن سبب عدم الإسماع في الخارج ما هي، ثم ابتدأ قوله «ولو أسمعهم لتولوا» كلاما آخر على طريقة قوله (صلى الله عليه وآله): «نعم العبد صهيب لو لم يخف الله ولم يعصه» يعني أن التولي لازم على تقدير الإسماع فكيف على تقدير عدمه فهو دائم الوجود وهذه الطريقة غير طريقة أرباب الميزان الذين يستعملون لفظ لو في القياس الاستثنائي وغير طريقة أهل اللغة الذين يستعملونه لامتناع الجزاء لأجل امتناع الشرط، وبناء هذه الطريقة على أن لفظ «لو» قد يستعمل للدلالة على أن الجزاء لازم الوجود في جميع الأزمنة مع وجود الشرط وعدمه، وذلك إذا كان الشرط مما يستبعد استلزامه لذلك الجزاء ويكون نقيض ذلك الشرط أنسب وأليق باستلزامه ذلك الجزاء فيلزم استمرار وجود الجزاء على تقدير وجود الشرط وعدمه فيكون دائم الوجود في قصد المتكلم.
وقال سعد التفتازاني: يجوز أن يكون الشرطية الثانية أيضا مستعملة على قاعدة اللغة كما هو مقتضى أصل «لو» فتفيد أن التولي منتف بسبب انتفاء الإسماع لأن التولي: هو الإعراض عن الشيء وعدم الانقياد له، فعلى تقدير عدم إسماعهم ذلك الشيء لم يتحقق منهم التولي والإعراض عنه، ولم يلزم من هذا تحقق الانقياد له. فإن قيل: انتفاء التولي خير وقد ذكر أن لا خير فيهم؟ قلنا: لا نسلم أن انتفاء التولي بسبب انتفاء الإسماع خير وإنما يكون خيرا لو كانوا من أهله بأن اسمعوا شيئا ثم انقادوا له ولم يعرضوا.
قوله: (أم قالوا سمعنا وعصينا): أي أم قالوا: سمعنا قول الله تعالى وقول الرسول (صلى الله عليه وآله) في