خلق ملبس به الذل لفاعله) «ملبس» اسم مفعول من الإلباس، والذل فاعله، وفيه استعارة مكنية وتخييلية بتشبيه الذل باللباس وإثبات الإلباس له، ولفظ فاعله وقع موقع الضمير للإشارة إلى ما هو سبب لذل الجميع (وقلة الامتناع لما أراد به) الظاهر: أنه عطف على «الذل» وعطفه على «أن» أيضا محتمل، وذل الخلائق لفاعلهم القديم القاهر يعود إلى دخولهم في ذل الإمكان تحت غلبته واحتياجهم في أسر الحاجة إلى كمال قدرته، وحيث لا يقدرون على الامتناع لما أراد من صفاتهم وذواتهم وهيئاتهم ومقاديرهم وكمالاتهم ونفعهم وضرهم وخيرهم وشرهم للزوم حاجتهم في الذوات والصفات وجميع الحالات إليه ورفعهم أيدي الإمكان والافتقار من جميع الجهات بين يديه، ولعل لفظ القلة إشارة إلى صدور الامتناع عن بعضهم قليلا فيما أراد منهم من أفعالهم الاختيارية ولكن ليس ذلك لقهرهم وغلبتهم عليه بل لأنه تركهم على حالهم ولم يجبرهم تحقيقا لمعنى التكليف والاختيار (ولم يخرج منه طرفة عين أن يقول له كن فيكون) الظاهر أنه حال عن فاعله أو عن فاعل «أراد» وضمير «منه» راجع إليه و «أن يقول» فاعل لم يخرج يعني لم يخرج منه سبحانه (1) في سلطانه على الخلق وقهره عليهم طرفة عين هذا الوصف أعني قوله «كن فيكون» وفيه إشارة إلى أنه القاهر الذي لا يعود مقهورا أبدا، بخلاف القاهر منا وإنما قلنا: الظاهر ذلك; لأنه يحتمل أن يكون حالا عما ذكر، ويكون فاعل «لم يخرج» ضميرا راجعا إليه، ويعود ضمير «منه» إلى «القاهر» ويجعل «أن يقول» بدلا عن ضمير «منه» يعني: لم يخرج الفاعل وهو الله تعالى من كونه قاهرا على الخلق ومن أن يقول «كن فيكون» طرفة عين، وفيه أيضا إشارة إلى ما ذكر.
(٥٩)