شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٤ - الصفحة ٦٤
الجسم) الذي ليس له جوف وليس خالي الباطن (والله جل ذكره متعال عن ذلك) أي عن أن يكون صمدا بهذا المعنى ويتصف بصفة الجسم.
ثم بالغ في تعاليه عن ذلك بقوله (هو أعظم وأجل من أن تقع الأوهام على صفته); لأن غاية مراحل الأوهام هي أواخر عالم الأبدان، ونهاية منازل الأفهام هي أواخر عالم الإمكان، وصفة الواجب خارجة بالذات عن العالمين بمراحل غير معدودة ومنازل غير محصورة.
(أو تدرك كنه عظمته); لأن عظمته تعالى لا تتناهى قدرا وعرفانا، ولذلك كلما غاص العارف المتقرب إليه في البحر الزاخر من عظمته وعبر منزلا من منازلها ازدادت عظمته في نفسه وعلم منها فوق ما علمه أولا وهكذا حتى يكمل عقد يقينه بذلك ويبلغ إلى نهاية ما يتصور له من منازلها فينادي بالعجز عن معرفته ويقر بعلو عظمته كما نطق به لسان سيد الأنبياء وأشرف الأوصياء صلى الله عليهما وعلى أولادهما النجباء.
(ولو كان تأويل الصمد في صفة الله تعالى المصمت) الذي لا جوف له; فاللام للعهد (لكان مخالفا لقوله (1) تعالى ليس كمثله شيء) واللازم باطل فالملزوم مثله، وأشار إلى بيان الملازمة بقوله: (لأن ذلك من صفة الأجسام المصمتة التي لا أجواف لها مثل الحجر والحديد وسائر الأشياء المصمتة التي لا أجواف لها، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا). قوله: «مثل الحجر» - إلى قوله: «لها» في بعض الكتب نسخة وفي بعضها أصل.
فإن قلت: لا شبهة في أنه تعالى شيء لا جوف له، وهو المراد بقول من قال: إنه المصمت الذي لا جوف له لا ما هو الظاهر منه أعني الجسم المصمت فإن المصمت ما لا جوف له، وهو يعم الجسم وغيره.
قلت: هذا التوجيه لا يصح من جانب المشبهة لأنهم صرحوا بأنه تعالى جسم نوري صمدي كما مر، على أن الظاهر المتبادر من المصمت في اللغة والعرف هو الجسم الذي لا جوف له، فلا يجوز وصفه تعالى به قطعا (فأما ما جاء في الأخبار من ذلك فالعالم (عليه السلام) أعلم بما قال) (2) لم يرد بذلك ما هو المتبادر من أنه

١ - قوله: «لكان مخالفا لقوله تعالى» يعنى أن الخبر إذا خالف ظاهر الكتاب فهو مردود، وهذا يدل على حجية ظاهر الكتاب عند المصنف، وقوله: «لأن ذلك من صفة الأجسام» أن الخبر المخالف لصريح العقل أيضا مأول.
(ش) ٢ - قوله: «فالعالم (عليه السلام) أعلم بما قال» تأويل الصمد بالذي لا جوف له وارد في الأخبار، وظاهره غير مراد البتة; لأنه يستلزم الجسمية فلابد أن يكون له تأويل لا ينافي التنزيه، ولما لم يتبين لصاحب الكافي رحمة الله ذلك التأويل أحاله إلى الأئمة (عليهم السلام). وقال صدر المتألهين: قد مر في الحديث السادس من باب الإرادة أنها من صفات الفعل أن المخلوق أجوف معتمل (وهو في طبعتنا هذه في الصفحة ٣٥٧ من المجلد الثالث) قال الصدر: فإذا كان المخلوق بما هو مخلوق أجوف بالمعنى الذي من لوازم المخلوقية كان الخالق موصوفا بمقابله وهو الصمد بالمعنى الذي يقابل ذاك المعنى، وقال: كما أن لفظ اليد والجنب والأعين والمجيء والاستواء قد جاءت في القرآن وأن الأصل في الجميع أن يأول على وجه لا يخل بالتوحيد الخالص عن التشبيه. وقال معنى الصمد: أنه تعالى بريء عن القوة والإمكان، كما أن معنى الأجوف في المخلوق أن للحوادث مدخلا فيه كما مر، وذكر المجلسي (رحمه الله) نحوا مما نقلناه من الصدر، قال فهو كناية عن عدم الانفعال والتأثر عن الغير وكونه محلا للحوادث كما مر عن الصادق (عليه السلام) ونقل الحديث السادس الذي أشار إليه صدر المتألهين. (ش)
(٦٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 59 60 61 62 63 64 65 66 67 68 69 ... » »»
الفهرست