شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٤ - الصفحة ٣٦
والأعضاء التي لا يعلم تشريحها إلا هو، يطلب رزقه وما يصلح به أمره بإعلام إلهي وإلهام رباني حيث هيأ له الصانع القدير وقدر له العليم الخبير (وإفهام بعضها عن بعض منطقها) (1) الإفهام إما بكسر الهمزة أو بفتحها، ولفظة «عن» وفهم بعض منطقها كما في كتاب العيون يرجح الثاني وضمير «منطقها» يعود على الأول إلى البعض الأول وعلى الثاني إلى البعض الثاني، والتأنيث باعتبار إرادة البعوضة أو الحيوانات، والمراد بمنطقها إما ما دل على مطالبها ومقاصدها من الحركات والإشارات والأصوات على سبيل الاستعارة، أو المراد به النطق الحقيقي المشتمل على الصوت والتقطيع، ويؤيد الثاني ظاهر قوله تعالى: (وإذ قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده) (وما يفهم به أولادها عنها) من الحركات والرموز الخفية التي ألهمها الصانع الخبير (ونقلها الغذاء) بالمناقير والأفواه والأنياب (إليها) أي إلى أولادها قبل استكمالها تعطفا بها وتحننا

1 - قوله: «وإفهام بعض عن بعض منطقها» وذكر الطنطاوي تفصيلا في حياة النمل الاجتماعية ومنطقها وتربية صغارها لا نستطيع نقلها تفصيلا، ومما قال: إن الملكة إذا باضت تتجمع النملات العاملات حولها وتحمل البيوض بأفواهها وتمضي بها إلى المكان الدافئ الذي أعدته لها وهناك تشرع تعرف البيوض بحسب حجمها فتضع الكبيرات في صف والصغيرات في صف، ومتى نفقت بيوضها وخرجت تضعها العاملات في شكل دائرة وتجعل رؤوسها إلى خارج الدائرة لكي تسهل عليها تغذيتها، ثم إن المربيات تبالغ في تنظيف أوكارها ولا سيما أوكار الصغار وتضع في عشوش الصغار نوعا من الاسفنج تصنعه من المواد الناعمة المختلفة فمتى اتسخت خراطيم النملات وعلق الوحل على أفواهها تسرع المربيات إلى هذا الاسفنج وتمسكه وتمسح به أفواه الصغيرات وخراطيمها انتهى.
وحكي في الصفحة 144 قصة حرب وقعت بين قريتين من قرى النمل بينهما مستنقع ماء صغير وألقي عليه خشبة صارت كالجسر، وكان من حكاية حربهم أن نملة من إحدى القبيلتين خرجت فرأت صفوف أخرى قادمة تتدفق على الجسر فأسرعت إلى عشها وأبلغت الخبر إلى قبيلتها فما لبثت هذه أن خرجت أيضا صفوفا للقتال وجرت المعركة الهائلة دامت أربعة أيام بلياليها وفي خلالها حدثت هدنة بضع ساعات، والظاهر أن نملة لم تستطع ضبط غضبها فخرقت شروط الهدنة واستؤنفت المعركة ثانيا، وشوهد عدد عديد من الجرحى تنتفض في مصارعها، وأما القتيلات فكانت مطروحة في مصارع مختلفة بلا حراك. انتهى بتلخيص.
وأورد في الصفحة 162 رسم منازلها وصورة البيوت والحجرات ومخازن الأقوات والغرف المعدة لتربية الصغار وجمع البيوض وجبانة لدفن الموتى، فإن النمل تدفن أجساد موتاها.
ولا يخفى أن هذه الحياة الاجتماعية لا يمكن إلا بأن يفهم بعضها ما يريده الآخر، قال: ان ذلك بتبادل الخواطر ويحدث بين أفكارها تيار نظير التلغراف اللاسلكي، وقال: إن السبب في ضعف هذه الملكة في الإنسان هو عدم استعمالها بعد أن تمكن من الكلام والخطابة. (ش)
(٣٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 ... » »»
الفهرست