شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٤ - الصفحة ٣٢
جميع الجهات لا تركيب فيه ولا تجزئة ولا تأليف من جنس وفصل ومهية وإنية وصفة وكيفية فهو الواحد الحقيقي الذي لا تكثر فيه أصلا لا في الذات ولا في مرتبة الذات ولا بعد الذات، وهو متفرد بالواحد بهذا المعنى لا يشاركه أحد من الممكنات إذ شيء منها لا يخلو من تعدد وتكثر، ومن ثم اشتهر أن عالم الإمكان عالم الكثرة، لا يوجد فيه معنى الوحدة أصلا.
(لا اختلاف فيه ولا تفاوت) أي لا اختلاف في ذاته لانتفاء التركيب ولا تفاوت بين ذاته وصفاته لانتفاء الزيادة (ولا زيادة ولا نقصان) لامتناع اتصافه بالجسمية والمقدار (فأما الإنسان المخلوق المصنوع المؤلف من أجزاء مختلفة وجواهر شتى غير أنه بالاجتماع شيء واحد) الظاهر أن قوله «من أجزاء مختلفة» متعلق ب‍ «المؤلف» وأن «المؤلف» خبر المبتدأ وهو الإنسان وأن «المخلوق المصنوع» صفة للانسان يعني أن الإنسان المخلوق المصنوع مؤلف من أجزاء مختلفة كما عرفت ومن جواهر شتى وهي الجنس والفصل وغيرهما فليس بواحد في الحقيقة وإنما صار باجتماع هذه الأجزاء شيئا واحدا عدديا، وإنما قلنا الظاهر ذلك لأنه يحتمل أن يكون متعلقا بالمصنوع ويكون المصنوع خبر المبتدأ، ويحتمل أيضا أن يكون خبر المبتدأ لكنه بعيد.
(قلت: جعلت فداك فرجت عني فرج الله عنك) (1) قال الجوهري: الفرج من الغم، تقول: فرج الله غمك تفريجا وكذلك فرج الله غمك يفرج بالكسر، فعلى هذا يجوز في فرجت وفرج الله التخفيف والتشديد، والمفعول محذوف للدلالة على التعميم (فقولك اللطيف الخبير فسره لي كما فسرت الواحد) (2) على وجه أزال الشبهة عني وانشرح

١ - قوله: «فرج الله عنك» من التحيات في تعارف الناس ولم يقصد به غيره. وهذا الذي اختلج في ذهن السائل واستشكله حتى رفعه الإمام (عليه السلام) هو الذي يختلج في ذهن أكثر الناس لاشتباه الاشتراك بالتشكيك ولا يسهل عليهم تصور معنى واحد مختلف الأفراد في الكثرة والقلة كما ترى في اختلاف المتأخرين في الصحيح والأعم وتصوير الجامع في الأصول كالصلاة مختلف أفرادها في كثرة الأجزاء والشرائط، وقلتها بحسب اختلاف الحالات في السفر والحضر والصحة والمرض وواجد الماء وفاقده، فمفهومها مشكك وان كان واحدا وليس مشتركا لفظيا لمفاهيم متكثرة، وكذلك الواحد يطلق على الله تعالى وعلى الممكنات وليس مشتركا لفظيا وإن كان مشككا فبين الإمام (عليه السلام) الفرق بين الاشتراك والتشكيك، والحق أنها مشتركة معنى وإن اختلفت مصاديقها. ونقل الشارح القزويني عن المحدث الأسترآبادي أنها مشتركة لفظا وليس بشيء. وسيجئ لذلك تتمة في شرح الحديث اللاحق إن شاء الله عن اختيار الشارح الاشتراك اللفظي. (ش) ٢ - قوله: «اللطيف الخبير فسره لي» يعلم من ذلك أن الغرض من تفسير هذه الأسماء دفع ما يوهم التشبيه وأن لا يعتقد في الله تعالى صفات الأجسام على ما كان عليه أهل الحشو أصحاب الحديث من العامة على مقتضى جمودهم على حمل الألفاظ على الظاهر المتبادر منها كما هو دأبهم والفرق بين ما يتعلق بالعمل وبين ما يتعلق بالتوحيد وأمثاله وأن ظاهر الالفاظ في الفروع والتكاليف حجة بخلاف التوحيد وأمثاله إذ يستحيل على الحكيم تعالى في الفروع أن يأمر عباده بألفاظ لا يفهمون معناها حتى يمتثلوا أو يدل ظاهرها على خلاف مراده بخلاف ما لا يتعلق بالتكاليف والعمل إذ لا يستحيل أن يريد بالألفاظ خلاف ظواهرها ويؤخر بيانها إلى وقت آخر. وقال علماؤنا في التكاليف أيضا: لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة ويجوز تأخيرها عن وقت الخطاب، وعلى هذا فما لا يتعلق بالعمل يجوز تأخير بيانه مطلقا; إذ ليس فيه وقت حاجة إلى العمل وعلى الناس أن يعترفوا بمفادها الواقعي إجمالا، ولذلك ترى أن تفسير الأسماء غير متواتر من صدر الإسلام عن جميع فرق المسلمين كتواتر تفسير الصلاة والصوم والحج وكان أكثرهم لا يعرفون معاني الواحد واللطيف وغيره من الصفات، وأما الشارح المولى خليل القزويني فقال: الغرض من هذا الحديث رد اليهود والفلاسفة والزنادقة وبنى العباس وبيان أن فاعل النفوس الناطقة وما تحت فلك القمر هو الله تعالى اللطيف الخبير وليس له كفو ونظير، وأما هؤلاء فقد أثبتوا التجرد لغير الله تعالى ونفوذ الإرادة وقالوا إن فاعلنا مجرد صادر بالإيجاب من مجرد... إلى آخر ما قال.
وفيه أن اليهود لم يعهد منهم القول بالإيجاب بل الله تعالى في مذهبهم فاعل مختار خلق السماوات والأرض بإرادته، وأما بنو العباس فمقتضى التدبر والاعتبار أنهم كسائر الناس من بني عقيل وبني تميم وبني يشكر كان فيهم من العقايد ما كان في غيرهم لم يختصوا بمذهب ولعل بعضهم كانوا على مذهب الزنادقة وبعضهم على مذهب أهل السنة أو الشيعة، وأما الزنادقة فما كانوا يعترفون بموجود مجرد على ما مر لا بوجود الواجب تعالى ولا العقل ولا النفس ولم يقولوا بإيجاب في العلة والمعلول أصلا بل باختلاط النور والظلمة بالبخت والاتفاق، ولا يناسب هذا الحديث أقوالهم البتة، وأما الفلاسفة فليسوا على مذهب واحد بل بعضهم سني وبعضهم شيعي وبعضهم ملحد، وكثير منهم من النصارى أو اليهود أو المشركين، وإنهم وإن اعتقدوا تجرد النفوس والعقول ولكن ليس في الحديث إشارة إلى اعتقادهم أصلا وليس من مذهبهم الإيجاب والاضطرار في واجب الوجود ولا في العقول وإنما استفاد الشارح المذكور ذلك بقياس رتبه في ذهنه من الشكل الثاني هكذا: واجب الوجود علة تامة ولا شئ من الفاعل المختار بعلة تامة أنتج واجب الوجود ليس بفاعل مختار. والكبرى ممنوعة إذ لا يمتنع أن يريد الفاعل المختار صدور الفعل عنه دائما وانحصار العلة التامة في الفاعل غير الشاعر لفعله المضطر فيه ممنوع جدا. (ش)
(٣٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 ... » »»
الفهرست