شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٤ - الصفحة ٣٤
يعني إنما قلنا: إنه تعالى لطيف لمكان المخلوق اللطيف، ومحصل الاحتمالين أنه لطيف باعتبار أنه خلق خلقا لطيفا مع جميع ما يحتاج إليه في نشوئه وبقائه من القوة السامعة والباصرة واللامسة وغيرها من القوى الظاهرة والباطنة وأودع جميع ذلك فيه مع صغر حجمه بحيث لا تستبينه أحداق العيون ونواظر الأبصار (لعلمه بالشيء اللطيف) الظاهر أنه تعليل ثان لتسميته تعالى باللطيف، وفي بعض نسخ هذا الكتاب وفي كتاب عيون أخبار الرضا (عليه السلام): «ولعلمه» بالواو، وهو الأظهر، وإنما قلنا الظاهر ذلك لأنه يحتمل أن يكون تعليلا لتسميته تعالى بالخبير; لأن السائل سأله عن تفسير اللطيف الخبير جميعا، إلا أن هذا الاحتمال بعيد نظرا إلى ظاهر قوله (عليه السلام): «إنما قلنا اللطيف» حيث لم يذكر الخبير، اللهم إلا أن يقال: اكتفى بذكر اللطيف عن ذكر الخبير تعويلا على قرينة السؤال، ولما أشار بقول كلي على سبيل الإجمال (1) إلى أنه تعالى لطيف باعتبار خلقه خلقا لطيفا وعلمه بالخلق اللطيف، أراد أن ينبه على ذكر بعض مخلوقاته اللطيفة على سبيل التفصيل ويبين لطف صنعه في صغر ما خلقه وأحكم خلقه وأتقن تركيبه وفلق سمعه وبصره وسوى عظمه وبشره على غاية صغره فقال:
(أو لا ترى) بالواو في أكثر النسخ وفي بعضها ألا ترى بدونها (وفقك الله وثبتك) حذف متعلق الفعلين للدلالة على تعميمه وشموله للخيرات كلها (إلى أثر صنعه في النبات اللطيف وغير اللطيف) قد ذكرنا في المجلد الأول من جملة ذلك الأثر ما دل على كمال علمه تعالى سبحانه بالأشياء الدقيقة والأمور الخفية، ومن أراد الاطلاع عليه على وجه أكمل فليرجع إلى كتاب توحيد المفضل المنقول عن أبي عبد الله (عليه السلام).
(ومن الخلق اللطيف ومن الحيوان الصغار) بالضم الصغير، قال الجوهري: صغر الشيء وصغير وصغار بالضم (ومن البعوض) البعوض البق والواحدة البعوضة (والجرجس) بكسر جيمين بينهما راء ساكنة لغة في القرقس وهو البعوض الصغار، فذكره بعد البعوض من باب ذكر الخاص بعد العام (وما هو أصغر منها ما لا يكاد تستبينه العيون (2) بل لا يكاد يستبان لصغره) الموجب لخفاء الامتياز

١ - قوله: «على سبيل الإجمال» وهذا الاعتقاد الإجمالي كاف في تفاصيل أصول الدين إذ لم يكن الراوي قبل أن يجيب الإمام (عليه السلام) ويفسر له معنى اللطيف ضالا بسبب إجمال الاعتقاد وإنما زادت معرفته بسبب التفسير، وكذا التكليف في جميع ما يشتبه على الانسان من تفاصيل المبدأ والمعاد وجب عليه الاعتراف به إجمالا وإيكال تفسيره وحقيقته إلى أهله وإلى أن يحين حينه. (ش) 2 - قوله: «ما لا يكاد يستبينه العيون» لما كان الغرض تفهيم معنى اللطيف للمخاطب والواجب الاستشهاد بحيوان يعترف بوجوده، ذكر (عليه السلام) أولا من الحيوان الصغار ما رآه المخاطب وكان من غاية الصغر بمثابة يقرب من أن لا يرى وقد ثبت في زماننا بمنظارات مكبرة وجود حيوان لا يرى بالبصر أصلا (غير ما يسمى بالميكروب والجراثيم وفيروس مما هو من خلية واحدة) بل حيوان تام ذي رأس وبدن وجوارح وأشار إليه (عليه السلام) بعد ذلك بقوله: لا تراه عيوننا، ومنه عامل الجرب في الإنسان والحيوان. وذكر الطنطاوي في المجلد الخامس والعشرين في الصفحة 136، هذا الحيوان قال: هي نوع من العنكبوت قلما ترى بالعين المجردة، وهذه تحدث تحت الجلد ثلمة تكون سببا للمرض الذي ذكرناه، ولقد كان الناس من قبل يظنون أن ذلك المرض الجلدي ليس له سبب من خارج، ولقد ثبت الآن ثبوتا قاطعا أن سبب ذلك المرض إنما هو وجود هذه الحشرة تحت الجلد. إن ذلك محل المرض الذي فتكت به تلك الحشرة بما يسمى مرهم الكبريت أودهن الكبريت كاف لطرد ذلك المرض انتهى. وما ذكره من العلاج بالكبريت مأخوذ من القدماء وإن نسبه الطنطاوي إلى الطب الجديد وخطأ السابقين، فقد عد الشيخ في القانون من خواص الكبريت قلعه للجرب بالجملة. هذا حيوان كامل من جنس العناكب رأيت تصويره منه ذكر وأنثى وله رأس وأرجل ويسفد ويبيض في النقب الذي يحفره على جلد الإنسان وكثير من الحيوانات ومع ذلك لا يرى بالبصر لصغره وربما يجتمع من ضم خمسة من أفرادها ميلميتر واحد. (ش)
(٣٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 ... » »»
الفهرست