شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٤ - الصفحة ٢٨٨
«لهم» للتهكم و «في» بمعنى الباء أي بسبب علمه بسوء حالهم وقبح مآلهم وفساد أعمالهم أو للظرفية المقدرة لاستقرار هذا الحكم في علمه المحيط بكل شيء واحتواء علمه به كاستقرار السعي في الحاجة في قوله سعيت في حاجتك والباء متعلق بحكم و «حتى» عاطفة لا جارة بقرينة وقوع الفعل بعدها، وما بعدها هاهنا أقوى مما قبلها; لأن للشقاء أفرادا وهذا الفرد وهو حكم الله تعالى عليهم بالعذاب أقوى أفراده، ولذلك جعله السائل غاية له ليقيد لحوق جميع أفراد الشقاء بهم حتى هذا الفرد الذي لا شقاء أقوى منه، ثم إن أراد بلحوق الشقاء لحوقه بحسب العلم الإلهي كان المعطوف مؤخرا بحسب الذهن ونفس الأمر جميعا; لأن هذا الحكم تابع لعلمه بشقائهم وإن أراد به لحوقه بحسب الخارج كان المعطوف مؤخرا بحسب الذهن لملاحظة إحاطة أفراد الشقاء بهم فردا بعد فرد إلى أن بلغ هذا الفرد الذي هو نهاية أفراده وأقواها ومقدما بحسب نفس الأمر لأنه تابع لعلمه الأزلي بحالهم، بقي هاهنا شيء وهو أنه إن أراد بالمعصية المعصية الموجبة للدخول في النار أبدا مثل الكفر يراد بالشقاء الشقاء التام وبالعذاب العذاب الأبدي، وإن أراد بها أعم مما ذكر يراد بهما أيضا أعم مما ذكر وحينئذ يراد بقوله «حكم لهم بالعذاب» أنه حكم لهم باستحقاق العذاب لئلا ينافي جواز العفو وغيره في بعض الصور، ولما سأل سائل عن المبدأ الأول والسبب الأصلي للشقاء أشار (عليه السلام) إلى أن ذلك سر من الأسرار التي لا يصل إليها العقول الناقصة.
(فقال أبو عبد الله (عليه السلام) أيها السائل حكم الله لا يقوم له) أي لمعرفته ومعرفة أسراره (أحد من خلقه بحقه) أي بحق الحكم أو بحق القيام، ولعل المراد بهذا الحكم هو حكمه تعالى في علمه بالثواب والعقاب على عملهم أو حكمه تعالى في مادة الإنسان بامتزاج الماءين أو بامتزاج الطينتين طينة الجنة وطينة النار كما في بعض الروايات، وهذا الامتزاج مبدأ للقوة الداعية إلى الخير والشر والسعادة والشقاوة (فلما حكم بذلك) أي بالثواب والعقاب أو بالامتزاج المذكور (وهب لأهل محبته) أي للذين علم أنهم سيصبرون على طاعته ويقومون على أمره ونهيه ويسلكون باختيارهم سبيل محبته (القوة على معرفته) (1) القوة إن اعتبر في مفهومها صلاحية تأثيرها في الخير والشر وإمكان ارتباطها

1 - قوله: «القوة على معرفته» هذه الجملة إلى قوله «وهب لأهل المعصية» محذوفة من نسخة كتاب التوحيد للصدوق (قدس سره) على ما نقل في البحار وموجودة في النسخ التي بأيدينا فتصير العبارة بعد الحذف هكذا «وهب لأهل محبته القوة على المعصية» وهو معنى صحيح موجه يعنى وهب للصلحاء القوة على العصيان فهم مع أنهم كانوا قادرين على المعصية اجتنبوها ليتم الحجة على الأشقياء كما وهب للأشقياء القدرة على الطاعة ليصح مؤاخذتهم، ولما كان الثاني ظاهرا لم يصرح به في الحديث، وبالجملة بعد حذف هذه العبارة يستقيم المعنى بغير تكلف. ولعلها من زيادات بعض الناسخين في الكافي وبعض نسخ التوحيد لأنهم رأوا القوة على المعصية غير مناسبة لأهل محبته وظنوا حذف شيء فزادوها بظنونهم حتى يكون هبة القوة على المعصية لأهل المعصية والقوة على الطاعة لأهل الطاعة ليتسق الالفاظ وإن فسد المعنى، ويحتمل أن تكون الزيادة صحيحة والحذف من نسخة التوحيد التي كانت عند المجلسي عليه الرحمة لغلط الكاتب والله العالم. (ش)
(٢٨٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 283 284 285 286 287 288 289 290 291 292 293 ... » »»
الفهرست