«لهم» للتهكم و «في» بمعنى الباء أي بسبب علمه بسوء حالهم وقبح مآلهم وفساد أعمالهم أو للظرفية المقدرة لاستقرار هذا الحكم في علمه المحيط بكل شيء واحتواء علمه به كاستقرار السعي في الحاجة في قوله سعيت في حاجتك والباء متعلق بحكم و «حتى» عاطفة لا جارة بقرينة وقوع الفعل بعدها، وما بعدها هاهنا أقوى مما قبلها; لأن للشقاء أفرادا وهذا الفرد وهو حكم الله تعالى عليهم بالعذاب أقوى أفراده، ولذلك جعله السائل غاية له ليقيد لحوق جميع أفراد الشقاء بهم حتى هذا الفرد الذي لا شقاء أقوى منه، ثم إن أراد بلحوق الشقاء لحوقه بحسب العلم الإلهي كان المعطوف مؤخرا بحسب الذهن ونفس الأمر جميعا; لأن هذا الحكم تابع لعلمه بشقائهم وإن أراد به لحوقه بحسب الخارج كان المعطوف مؤخرا بحسب الذهن لملاحظة إحاطة أفراد الشقاء بهم فردا بعد فرد إلى أن بلغ هذا الفرد الذي هو نهاية أفراده وأقواها ومقدما بحسب نفس الأمر لأنه تابع لعلمه الأزلي بحالهم، بقي هاهنا شيء وهو أنه إن أراد بالمعصية المعصية الموجبة للدخول في النار أبدا مثل الكفر يراد بالشقاء الشقاء التام وبالعذاب العذاب الأبدي، وإن أراد بها أعم مما ذكر يراد بهما أيضا أعم مما ذكر وحينئذ يراد بقوله «حكم لهم بالعذاب» أنه حكم لهم باستحقاق العذاب لئلا ينافي جواز العفو وغيره في بعض الصور، ولما سأل سائل عن المبدأ الأول والسبب الأصلي للشقاء أشار (عليه السلام) إلى أن ذلك سر من الأسرار التي لا يصل إليها العقول الناقصة.
(فقال أبو عبد الله (عليه السلام) أيها السائل حكم الله لا يقوم له) أي لمعرفته ومعرفة أسراره (أحد من خلقه بحقه) أي بحق الحكم أو بحق القيام، ولعل المراد بهذا الحكم هو حكمه تعالى في علمه بالثواب والعقاب على عملهم أو حكمه تعالى في مادة الإنسان بامتزاج الماءين أو بامتزاج الطينتين طينة الجنة وطينة النار كما في بعض الروايات، وهذا الامتزاج مبدأ للقوة الداعية إلى الخير والشر والسعادة والشقاوة (فلما حكم بذلك) أي بالثواب والعقاب أو بالامتزاج المذكور (وهب لأهل محبته) أي للذين علم أنهم سيصبرون على طاعته ويقومون على أمره ونهيه ويسلكون باختيارهم سبيل محبته (القوة على معرفته) (1) القوة إن اعتبر في مفهومها صلاحية تأثيرها في الخير والشر وإمكان ارتباطها