يقدروا أن يأتوا حالا تنجيهم (1) من عذابه; لأن علمه أولى بحقيقة التصديق).
إن قلت: علمه تعالى بأحوالهم الموجبة لعذابهم لا يقتضي أن تكون تلك الأحوال واجبة وأن لا يكون لهم قدرة على الأحوال الموجبة لنجاتهم عن العذاب إذ العلم تابع للمعلوم لا علة له.
قلت: لا دلالة فيه على أن علمه علة لتلك الأحوال وعدم قدرتهم على نقيضها وإنما دل على أن المعلوم واجب الحصول; لأن علمه مطابق. وأما وجود المعلوم فهو مستند إلى علته التامة التي هي باختيارهم (2) ومع تحقق علته التامة فهو واجب الحصول، ونقيضه ممتنع لا قدرة لهم عليه (وهو معنى شاء ما شاء وهو سره) أي إعطاء القوة على الطاعة والمعصية وعدم الجبر على شيء منها تحقيقا لمعنى الاختيار والتكليف هو معنى شاء ما شاء وسره إذ لو لم يشأ صدورها على سبيل الاختيار لما أعطاهم القوة عليها ولجبرهم على الطاعة، وفيه رد على الجبرية القائلين بأن معناه أنه تعالى أراد جميع أفعال العباد وفعل هو خيرها وشرها، وهم - كما صرح به بعض المتأخرين منهم - صنفان; صنف يقولون بأنه تعالى هو الفاعل لأفعال العباد وليس لهم اختيار وقدرة عليها أصلا، وصنف يقولون لهم قدرة واختيار على أفعالهم، ولا يكون لقدرتهم واختيارهم مدخل وتأثير فيها وإنما الموجد لها هو الله تعالى، والعبد كاسب، بمعنى أنه محل لتلك الأفعال التي أوجدها الله تعالى فيه، وتحقيقه يرجع إلى أن العبد إذا توجهت قدرته إلى الفعل سبقت قدرته تعالى إليه وتوجدها، وهذا الصنف وهم الأشاعرة مع موافقتهم للصنف الأول في بعض الوجوه خالفوهم بوجه آخر لئلا يرد عليهم أن فعله تعالى معاصي العباد ثم تعذيبهم بها ظلم وجور لأنهم يقولون يستحق العباد التعذيب باعتبار المحلية والكسب واقتران المعصية مع قدرتهم وإن لم يكن قدرتهم مؤثرة فيها أصلا.
وأنت تعلم أن القول بوجود قدرة غير مؤثرة غير معقول; لأن القدرة صفة مؤثرة على وفق الإرادة فلو لم يكن قدرة العبد مؤثرة كانت تسميتها قدرة مجرد اصطلاح وأن الظلم لازم غير مدفوع، ولقد أحسن بعض أصحابنا حيث أتى بالتمثيل لإيضاح قبح هذا القول وقال: لعمري إن القول بكسب العبد