شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٤ - الصفحة ٢٩٠
يقدروا أن يأتوا حالا تنجيهم (1) من عذابه; لأن علمه أولى بحقيقة التصديق).
إن قلت: علمه تعالى بأحوالهم الموجبة لعذابهم لا يقتضي أن تكون تلك الأحوال واجبة وأن لا يكون لهم قدرة على الأحوال الموجبة لنجاتهم عن العذاب إذ العلم تابع للمعلوم لا علة له.
قلت: لا دلالة فيه على أن علمه علة لتلك الأحوال وعدم قدرتهم على نقيضها وإنما دل على أن المعلوم واجب الحصول; لأن علمه مطابق. وأما وجود المعلوم فهو مستند إلى علته التامة التي هي باختيارهم (2) ومع تحقق علته التامة فهو واجب الحصول، ونقيضه ممتنع لا قدرة لهم عليه (وهو معنى شاء ما شاء وهو سره) أي إعطاء القوة على الطاعة والمعصية وعدم الجبر على شيء منها تحقيقا لمعنى الاختيار والتكليف هو معنى شاء ما شاء وسره إذ لو لم يشأ صدورها على سبيل الاختيار لما أعطاهم القوة عليها ولجبرهم على الطاعة، وفيه رد على الجبرية القائلين بأن معناه أنه تعالى أراد جميع أفعال العباد وفعل هو خيرها وشرها، وهم - كما صرح به بعض المتأخرين منهم - صنفان; صنف يقولون بأنه تعالى هو الفاعل لأفعال العباد وليس لهم اختيار وقدرة عليها أصلا، وصنف يقولون لهم قدرة واختيار على أفعالهم، ولا يكون لقدرتهم واختيارهم مدخل وتأثير فيها وإنما الموجد لها هو الله تعالى، والعبد كاسب، بمعنى أنه محل لتلك الأفعال التي أوجدها الله تعالى فيه، وتحقيقه يرجع إلى أن العبد إذا توجهت قدرته إلى الفعل سبقت قدرته تعالى إليه وتوجدها، وهذا الصنف وهم الأشاعرة مع موافقتهم للصنف الأول في بعض الوجوه خالفوهم بوجه آخر لئلا يرد عليهم أن فعله تعالى معاصي العباد ثم تعذيبهم بها ظلم وجور لأنهم يقولون يستحق العباد التعذيب باعتبار المحلية والكسب واقتران المعصية مع قدرتهم وإن لم يكن قدرتهم مؤثرة فيها أصلا.
وأنت تعلم أن القول بوجود قدرة غير مؤثرة غير معقول; لأن القدرة صفة مؤثرة على وفق الإرادة فلو لم يكن قدرة العبد مؤثرة كانت تسميتها قدرة مجرد اصطلاح وأن الظلم لازم غير مدفوع، ولقد أحسن بعض أصحابنا حيث أتى بالتمثيل لإيضاح قبح هذا القول وقال: لعمري إن القول بكسب العبد

1 - قوله: «ولم يقدروا أن يأتوا حالا» وفي كتاب التوحيد: «وإن قدروا أن يأتوا خلالا تنجيهم عن معصيته» معناه بناء على حذف العبارة أو ذكرها مختلف، أما على حذف العبارة فيجب أن يقرأ وأن قدروا بفتح همزة أن والمعنى أن أهل المحبة وافقوا ما سبق بهم في علمه تعالى من الخير واتفق لهم أن قدروا فعل أمور أوجب نجاتهم، وأما على ذكر العبارة فالمعنى أن أهل المعصية وافقوا ما سبق لهم في علمه تعالى من العصيان ولم يكن هذا جبرا لهم على العصيان لأنهم قدروا أن يأتوا أمورا تنجيهم ولكنهم اختاروا العصيان بسوء اختيارهم; لأن علم الله ليس ملزما وحينئذ يقرأ «وإن قدروا» بكسر همزة «إن» والله العالم ومنه التوفيق. (ش) 2 - العلة التامة لا تنافي الاختيار.
(٢٩٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 285 286 287 288 289 290 291 292 293 294 295 ... » »»
الفهرست