ليس تعلق علمه بأنه سعيد (1) وعلمه بسعادته لا يلزم وجودها لا باختياره وإرادته; لأن العلم تابع للمعلوم ومطابق لما يقع في نفس الأمر، وفيه تنبيه على الخوف من سوء الخاتمة، وهو الذي قرح قلوب العارفين، ووقع من سوئها جزئيات كثيرة، وزل فيها أقدام جماعة من أهل العرفان ولذلك كان أهل الحق والسعادة يطلبون حسن العاقبة واستقامة الخاتمة بالتضرع والابتهال، وقد وقع مثل هذا الحديث في طرق العامة، روي مسلم في باب بيان المقادير السابقة بإسناده عن أبي هريرة أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: «إن الرجل ليعمل الزمن الطويل بعمل أهل الجنة ثم يختم له عمله بعمل أهل النار، وإن الرجل ليعمل الزمن الطويل بعمل أهل النار، ثم يختم عمله بعمل أهل الجنة» وبإسناده عن سهل بن سعد الساعدي أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: «إن الرجل ليعمل عمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار وإن الرجل ليعمل عمل أهل النار فيما يبدو للناس وهو من أهل الجنة».
قال المازري: الانتقال من الشر إلى الخير كثير، وأما من الخير إلى الشر فهو في غاية الندور، وهو من باب «سبقت رحمتي غضبي» ثم الشر المنتقل إليه أعم من كونه كفرا وشر مخالفة.
قال الآبي: وما ذكر المازري من أن ذلك في غاية الندور، ذكر الغزالي أن تسعين صديقا انحطت من درجة الصديقية إلى درجة الزندقة باتخاذ النساء، وغرضنا من نقل أحاديثهم وأقاويلهم هو الإشعار بأنهم أيضا قايلون بأن الانتقال من أحدهما إلى الآخر غير مستبعد من غير المعصوم فكيف يستبعدون ذلك من الثلاثة الذين خلفوا على تقدير إيمانهم وخروجهم من الكفر الذي مضوا عليه في أكثر عمرهم.