(وإن كان شقيا لم يحبه أبدا) لغلبة شقاوته الموجبة للمقت والبغض وفي تغيير الأسلوب إيماء لطيف (1) إلى أنه تعالى لا يخلق أحدا شقيا وإنما الشقاوة من كسب العبد بخلاف السعادة فإنها أيضا وإن كانت من كسبه إلا أنه لحسن استعداده صار محلا للطفه تعالى به وتوفيقه له في اكتسابها فكأنه تعالى خالق لها (وإن عمل صالحا) لما فيه من القوة الداعية إلى الصلاح (أحب عمله) حبه له يعود إلى علمه بوقوعه على نهج الصواب وإرادة المكافأة لصاحبه فيكافيه بالإحسان والإنعام الدنيوي ونحوه ليرد عليه خاليا عما يوجب الدخول في الجنة (وأبغضه لما يصير إليه بسوء اختياره من الشقاوة التامة الموجبة للدخول في النار (فإذا أحب الله شيئا) سواء كان عملا أو غيره (لم يبغضه أبدا وإذا أبغض شيئا لم يحبه أبدا) توضيح ذلك أن الإنسان عبارة عن مجموع الجوهرين: النفس والبدن (2) ولكل واحد منهما طريقان طريق الخير وطريق الشر فطريق الخير للأول هي العقائد الصحيحة والأخلاق المرضية وللثاني هي الأعمال الحسنة، وطريق الشر للأول هي العقائد الباطلة والأخلاق الرذيلة، وللثاني هي الأعمال القبيحة. فإن استقام هذان الجوهران في شخص دائما كما في الأنبياء والأوصياء كان سعيدا مطلقا محبوبا لله دائما غير مبغوض أبدا، وإن لم يستقم شيء منهما أبدا كان شقيا مبغوضا أبدا غير محبوب أصلا، وإن استقام الأول دائما دون الثاني كان هو محبوبا دائما غير مبغوض أبدا; لأن الجوهر الأول أولى بالحقيقة الإنسانية بل هو الإنسان حقيقة وكان عمله مبغوضا، وإن استقام الثاني دائما دون الأول كان هو مبغوضا وعمله محبوبا، وإن استقام كل واحد منهما في وقت دون آخر يعتبر حاله في الخاتمة
(٢٨٥)