شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٤ - الصفحة ٢٨٤
عبد الله (عليه السلام) قال: إن الله خلق السعادة والشقاء قبل أن يخلق خلقه) أي قدرهما قبل تقدير الخلق (1) أو قبل إيجاده فلا يرد أنهما أمر عرضي كيف يتصور تحققه قبل تحققه هذا إن أريد بهما الحالة المذكورة أو السبب القريب لها وأما إن أريد بهما السبب البعيد فيحتمل أن يراد بخلقهما تقديرهما ويحتمل أن يراد به إيجادهما لأن مبدأ الخير والشر مما أوجده الله تعالى في مبدأ الإنسان الذي هو الماء الذي اختمرت به طينته (فمن خلقه الله سعيدا) (2) حال عن المفعول أو تميز للنسبة وعلى التقديرين كان تقديره أو إيجاده مقرونا بسعادته في علم الله تعالى فلا يرد أن سعادته مكسوبة له لا أنه تعالى موجد لها على ما هو الحق عند الإمامية (لم يبغضه أبدا) لتحقق السعادة الموجبة للمحبة والرضا عنه (وإن عمل شرا) بمقتضى ما فيه من القوة الداعية إلى الشر (أبغض عمله) بما هو شر متصف بأنه خلاف المراد (ولم يبغضه) بغضه له يعود إلى كراهته له وعلمه بعدم وقوعه على نهج الصواب واستحقاق صاحبه للتعذيب ثم يوفقه للتوبة الماحية له أو يمحوه بالآلام والمصائب أو يعفو عنه لمن يشاء حتى يرد عليه خالصا من الذنوب

1 - قوله: «أي قدرهما قبل تقدير الخلق» مقتبس من صدر المتألهين فإنه فسر قوله (عليه السلام) «إن الله خلق السعادة» بتفسيرين أحدهما الخلق بمعنى التقدير، والثاني السعادة بمعنى الرتبة التي الوصول إليها سعادة للانسان، مثلا:
وصول الإنسان إلى إدراك الكليات والإيمان بالموجودات المجردة سعادة له، وخلق الله هذه الكليات والمجردات قبل تقدير خلقه وخلق الجنة قبل أن يخلق الناس وكذلك النار (ش).
2 - قوله: «فمن خلقه الله سعيدا» يجب تفسير هذا الكلام بحيث لا يستلزم الجبر فإن الجبر خلاف ضرورة مذهب أهل البيت (عليهم السلام) والعدل من أصول مذهبهم، والذي لا نشك فيه أنه تعالى خلق كل شيء خالصا مستعدا للوصول إلى غايته المطلوبة كالماء الذي خلقه في أول الفطرة غير آجن ولا متغير ولا ممزوج والذهب المخلوق في الفطرة الأولية لا غش فيه، والإنسان في فطرته الأولى لائق لما خلقه الله لأجله ومستعد لتحصيل كمال يليق به والعدل الإلهي يقتضي أن يكون نسبة أفراد الإنسان إلى الخير متساوية لا أن يكون بعضهم أقرب إلى الخير وأسهل له الوصول إليه والآخر أبعد وأصعب; لأن هذا ظلم، وقد ورد أن «كل ميسر لما خلق له» والواجب أن يؤول بفرقهم فيما لا مدخلية له في الشقاء والسعادة. (ش)
(٢٨٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 279 280 281 282 283 284 285 286 287 288 289 ... » »»
الفهرست