شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٤ - الصفحة ٢٧٤
إرادة حتم) أي إرادة حتمية ومشيئة قطعية لا يجوز تخلف المراد عنها كما هو شأن إرادته ومشيئته بالنسبة إلى أفعاله (وإرادة عزم) أي إرادة عزمية غير حتمية ومشية تخييرية غير قطعية يجوز تخلف المراد عنها، كما هو شأن إرادته ومشيته بالنسبة إلى أفعال العباد (ينهى وهو يشاء) أي ينهى عن العبد عن شيء ويكره ذلك الشيء وهو يريد بالعرض صدوره منه باعتبار أنه لم يجبره على قبول النهي والترك (ويأمر وهو لا يشاء) أي يأمر العبد بشيء ويريد صدوره منه وهو لا يريد ذلك الشيء باعتبار أنه لم يجبره على قبول المأمور به، والحاصل أنه تعالى لما كان قادرا على منع العبد جبرا وقسرا من الفعل في صورة النهي ومن الترك في صورة الأمر ولم يمنعه كذلك لأنه مناف للتكليف كأنه شاء فعل المنهي عنه وترك المأمور به.
(أو ما رأيت أنه نهى آدم وزوجته أن يأكلا من الشجرة وشاء ذلك) أي أكلهما منها باعتبار أنه لم يجبرهما على تركه (ولو لم يشأ أن يأكلا) بجبره لهما على المنهي عنه ومشيته لتركه حتما (لما غلبت مشيتهما) للأكل (مشية الله تعالى) لتركه حتما; لأن المغلوب المجبور على ترك شيء لا يمكنه الإتيان بفعله فضلا عن أن يكون مشيته غالبة على مشية الجابر القاهر.
(وأمر إبراهيم أن يذبح إسحاق) دل على أن الذبيح إسحاق ابن سارة، وفي رواية أبي بصير، عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام) المذكورة في باب حج إبراهيم (عليه السلام) من هذا الكتاب أيضا دلالة على ذلك ولكن رواية الصدوق رحمه الله في كتاب عيون أخبار الرضا (عليه السلام) بإسناده عن الفضل بن شاذان، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) وبإسناده الآخر، عن علي بن الحسن بن علي بن الفضال، عن أبيه عنه (عليه السلام) دلت على أن الذبيح إسماعيل ابن هاجر، وكذا روايته في كتاب معاني الأخبار في باب نوادر المعاني صريحة في ذلك وفي آخرها «فمن زعم أن إسحاق أكبر من إسماعيل وأن الذبيح إسحاق فقد كذب بما أنزل الله من نبأهما.
(ولم يشأ أن يذبحه) (1) مشية حتم يمتنع معها الذبح والإعراض عنه

1 - قوله: «ولم يشأ أن يذبحه» لولا هذه الفقرات لأمكن حمل أول الكلام على وجه لا يخالف المعلوم من مذهب أهل البيت (عليهم السلام) بأن يكون المراد إثبات قسمين من الإرادة أعني التكويني والتشريعي من غير أن يكون كلاهما متعلقين بفعل واحد مع تناقضهما; لأن المحال اجتماع المتناقضين منهما على فعل واحد كذبح ولد إبراهيم وعدم ذبحه لا وجود الإرادتين مطلقا، وحمل صدر المتألهين الإرادتين على ما سبق منه في باب البداء من اللوح المحفوظ ولوح المحو والإثبات وهو بعيد جدا لا يطابق عبارة الحديث إلا بتكلف بأن يكون أمره تعالى بالذبح من لوح المحو والإثبات وعدم مشيئته من اللوح المحفوظ، وهذا توجيه للحديث أولى من الطرح والرد ولكن علماءنا - كما سبق - أبطلوا البداء صريحا خصوصا في هذه القصة، وتمام الكلام في الأصول، واعلم أن الشيخ محيي الدين بن عربي أطال البحث في الفتوحات المكية في الباب السادس عشر وثلاثمائة في لوح القضاء والقدر والمحو والإثبات واللوح المحفوظ وأثبت البداء على تأويل بعض علمائنا، ومنه اقتبس صدر المتألهين وبعده المجلسي رحمهما الله كلامهما في اللوحين مع فرق ما في التعبير ولا ضير فيه; لأن ابن عربى مع اختلاف الناس في أمره لم يختلفوا في تضلعه في العلم وليس اقتباس المعنى منه تقليدا بل هو أخذ بالدليل وتصديقه في أمر لا يستلزم تصديقه في الكل حتى مسائل الإمامة والولاية مثلا، مع أن بعض علمائنا اعتقد تشيعه، ولا حاجة لنا في تحقيق هذه الأمور، وكان دأب علمائنا اقتباس العلم من كل من يجدون عنده علما واستحسان ما هو حسن من كل أحد وأظن أني رأيت في سفينة البحار نقل كتاب منه إلى الفخر الرازي في النصيحة يليق على ما اصطلحوا عليه في التحسين أن يكتب بالنور على صفحات خدود الحور.
ثم إن صدر المتألهين قال: ليس المراد كما يتراءي من ظاهر الكلام أنه سبحانه قد يأمر وينهى من غير إرادة بإتيان المأمور أو ترك المنهي عنه، حاشا عن ذلك، قياسا على السيد الذي يأمر عبده بشيء يريد عدم إتيانه به ليظهر عذره على من يلومه بإيذاء عبده انتهى; وذلك لأن ظاهر الأمر يدل على حقيقة الإرادة والطلب، وخلافه بمنزلة الكذب في الإخبار إغراء بالجهل وقبيح وليس في حكمته تعالى الإغراء بالجهل. (ش)
(٢٧٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 269 270 271 272 273 274 275 276 277 278 279 ... » »»
الفهرست