من المرئي شيء في حيز البصر كما يقوله أصحاب الانطباع فليس هناك مماسة بين البصر والمرئي ولا مداخلة.
(وإدراك البصر له سبيل وسبب، فسبيله الهواء) الواقع بين البصر والمرئي (وسببه الضياء) المحيط بالمرئي إذ لو لم يكن الضياء لم يتحقق الإدراك (فإذا كان السبيل متصلا بينه وبين المرئي) غير منقطع بحايل كثيف مانع من نفوذ الشعاع فيه إلى ما وراءه (والسبب قايم) موجود (أدرك ما يلاقي) أي أدرك البصر ما يلاقيه شعاعه (من الألوان والأشخاص) الواقعة في منتهى المسافة الشعاعية (فإذا حمل البصر) يعني أرسلت خطوطه الشعاعية (على ما لا سبيل له) بأن يكون المرئي كثيفا صقيلا ليست فيه مسامات وفرج صغار يدخل فيها شعاع البصر (رجع راجعا) أي رجع البصر عند وصوله إليه راجعا وانعكس انعكاسا والمراد بالبصر شعاعه (فحكى ما وراءه) أي فأدرك ما وراءه وأخبر عنه.
(كالناظر في المرآة لا ينفذ بصره في المرآة) أي شعاع بصره (فإذا لم يكن له سبيل) في المرآة لعدم الفرج والمسامات فيها (رجع راجعا يحكي ما وراءه) مما وضعه من المرآة كوضعها من البصر فيكون زاوية رجوع الشعاع منها كزاوية وصوله إليها، فإذا وقعت المرآة في مقابل الرائي رجع الشعاع منها إلى وجهه فيراه ولا شعور له بالرجوع فيتوهم أنه يراه على الاستقامة فيحسب أن صورة وجهه منطبعة في المرآة فإذا كان الوجه قريبا منها كانت الخطوط الشعاعية الراجعة قصيرة فيظن أن صورته قريبة من سطحها، وإذا كان بعيدا كانت الخطوط طويلة فيحسب أن صورته غائرة في عمقها.
(وكذلك الناظر في الماء الصافي يرجع) شعاع بصره (راجعا فيحكي ما وراءه إذ لا سبيل له في إنفاذ بصره) إلا أنه فرق بين المرآة والماء فإن الشعاع البصري لا ينفذ في جرم المرآة أصلا فلذلك يرجع صافيا غير مضطرب فيرى به على وجه الكمال بخلاف الماء فإن الشعاع ينفذ في جرمه في الجملة فلذلك لا يرجع على وجه الكمال، وقد ظهر مما ذكر أن الله جل شأنه لا يمكن إدراكه بالحواس لانتفاء المماسة والمداخلة فيه واستحالة أن يكون في حيز وطرف الخطوط الشعاعية والهواء المتوسط لأن ذلك من لواحق الجسمية وتوابعها.
(فأما القلب) أي النفس الناطقة (فإنما سلطانه على الهواء (1)» أي الهواء بالمد ما بين الأرض