شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٣ - الصفحة ١٩٩
الراوي يقول: كتب إلي وأخبرني بكتابه أو في كتابه أو فيما كتب به إلي كما في هذا الحديث، ولا يجوز أن يطلق ويقول: حدثني أو أخبرني، وجوز الإطلاق طايفة من المتقدمين من محدثي العامة.
(سألت رحمك الله عن التوحيد وما ذهب إليه من قبلك) بكسر القاف وفتح الباء أي من هو عندك فالعايد إلى من مبتدء محذوف والظرف خبر له والموصول مع صلته فاعل ذهب (فتعالى الله الذي ليس كمثله شيء) فيه تنزيه له تعالى عما يقولون وإشارة إلى مخالفتهم في وصفه تعالى لنص القرآن.
(وهو السميع البصير) بلا سمع لا بصر فيسمع ما يقولون ويرى ما يفعلون ويعلم ما يعتقدون، وفيه وعيد لهم على ما يصفون ثم صرح بتنزيهه تعالى عما يقولون تأكيدا لما سبق بقوله (تعالى عما يصفه الواصفون المشبهون الله بخلقه المفترون على الله) ما لا يليق به. والتشبيه في الحقيقة جحود وإنكار لأن ما يتصوره المشبهون ويعتقدون أنه إليه ليس هو الإله الذي يثبته العقلاء ويقرون به ثم أشار بعد تنزيهه تعالى عما يصفون إلى المذهب الصحيح بقوله (فاعلم رحمك الله أن المذهب الصحيح في التوحيد ما نزل به القرآن من صفات الله تعالى) التي بعضها صفات كمالية وبعضها صفات فعلية وبعضها صفات تنزيهية اشتملت على جميعها إجمالا قوله تعالى (ليس كمثله شيء).
(فانف عن الله تعالى البطلان) كما زعمه الملاحدة والثنوية وعبدة الأوثان والنيران وعبدة الشمس والمشتري وغيرهم من أصحاب الملل الفاسدة النافية للصانع (والتشبيه) بخلقه كما زعمه المجسمة والمصورة والكرامية والقايلون بأنه في جهة ومكان وبأن له كلاما ككلامنا وصوتا كصوتنا وسمعا وبصرا كسمعنا وبصرنا وصفات زايدة كصفاتنا وأصحاب البطلان والتشبيه هم المحجوبون عن ربهم بالمقايسات الحسية والاعتبارات الوهمية (فلا نفي ولا تشبيه) في أمر التوحيد وهذا في اللفظ إخبار وفي المعنى نهي عن القول بهما.
(هو الله الثابت الموجود) الذي لا يعرضه التغير من وصف إلى وصف والتحول من حال إلى حال ولا يسبقه عدم ولا يلحقه انقطاع وهو الموجود أزلا وأبدا (تعالى الله عما يصفه الواصفون) من صفات الخلق ولواحق الإمكان، وهذا إعادة لما مر تأكيدا له.
(ولا تعدوا القرآن فتضلوا بعد البيان) إذ مدار القرآن على التوحيد المطلق والتنزيه التام وبيان القواعد الكلية التي بها كون صلاح نوع الإنسان في معاده ومعاشه فلا يجور لأحد التجاوز عما نطق به لأن كل ما فيه وثيق الأركان رفيع البنيان متين البرهان معدن الإيمان فكل وصف لا يوافقه باطل، وكل قول لا يطابقه كاذب، وكل أمر لا يناسبه ساقط وإنما قال «بعد البيان» لأن الضلال بعده أقبح من
(١٩٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 194 195 196 197 198 199 200 201 202 203 204 ... » »»
الفهرست