شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٣ - الصفحة ١٩١
إدراكات النفوس على جميع أنحائها ويندرج فيه إدراكات العيون أيضا لأن نفي العام مستلزم لنفي الخاص وإليه أشار بقوله (فهو لا تدركه الأوهام) أي أوهام القلوب لأن الإدراك إما حسي أو عقلي ولا يجري شيء منهما في ساحة الحق عز شأنه لأنه لما كان منزها عن الجسمية والوضع والجهة وساير لواحقها استحال أن يدركه شيء من الحواس الظاهرة والباطنة، ولما كان مقدسا عن أنحاء التركيب الخارجية والذهنية وبعيدا عن عالم مدركات النفوس البشرية امتنع أن يكون للنفس إطلاع عليه بكنه ذاته أو بحقيقة صفاته، فإذن لا يناوله شيء من الإدراكات، وفي نسبة الأوهام إلى القلوب إشارة إلى أن القلوب البشرية لا يمكنها تعقل شيء بدون الاستعانة بالوهم وتعقلها للكليات باعتبار التجريد للموجودات والتفتيش في المحسوسات (وهو يدرك الأوهام) إذ لا يعزب عنه شيء وهو اللطيف الخبير.
* الأصل:
11 - محمد بن أبي عبد الله، عمن ذكره، عن محمد بن عيسى، عن داود بن القاسم أبي هاشم الجعفري قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار؟ فقال: يا أبا هاشم أوهام القلوب أدق من إبصار العيون. أنت قد تدرك بوهمك السند والهند والبلدان التي لم تدخلها ولاتدركها ببصرك وأوهام القلوب لا تدركه فكيف أبصار العيون.
* الشرح:
(محمد بن أبي عبد الله، عمن ذكره، عن محمد بن عيسى، عن داود بن القاسم أبي هاشم الجعفري قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام) «لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار») ما أراد الله سبحانه بهذا القول؟ ويحتمل أنه أراد بالأبصار أبصار العيون واستبعد وتعجب من عدم إدراكها له، فأجاب (عليه السلام) بما يرفع استبعاده وتعجبه فقال: (يا أبا هاشم أوهام القلوب) وإدراكاتها (أدق) أي ألطف وأسرع تعلقا (من أبصار العيون) لأن إدراك القلب ينفذ فيما لا ينفذ فيه أبصار العين وقد بين ذلك بقوله (أنت قد تدرك بوهمك) أي بعقلك (السند والهند والبلدان التي لم تدخلها (1) ولم تشاهدها

1 - قوله «والبلدان التي لم تدخلها» المراد بالوهم العقل إذ قد يطلق عليه، وأما تخصيص الوهم بالباطل فهو اصطلاح أخر اقتبسه أهل النظر من الوهم بمعنى الخطأ في اللغة، وبالجملة فنقص الإدراك البصري بأمور:
الأول: أنه لا يدرك في الظلمة والعقل بخلافه، الثاني: أنه لا يدرك الصغير جدا ويحتاج إلى آلة مكبرة لرؤية جراثيم الأمراض وخلايا الأعضاء وغيرها. الثالث: أنه لا يدرك مع الحاجب كما وراء الجدار والستر وما في قمر الأرضين وبواطن الأجسام، الرابع: أنه لا يدرك البعيد جدا. الخامس: أنه لا يحيط بالكثير جدا كعدد الرمال في الأحقاف وعدد الحبات في الصبرة والعقل في جميع هذه الأمور كامل يدرك ما يدركه البصر ولو كان الفضل بقوة الأبصار كان بعض الحيوانات أقوى بصرا من الإنسان ولكن الإنسان مدرك بعقله وبهذا فضل على ساير الحيوانات وكذلك موجودات عالم الغيب كالعقول المجردة والمؤمن بعد فراق البدن والملائكة المقربون أكمل وأقوى وأصح وأكثر إدراكا من الإنسان في الدنيا إذ يرون مع الفواصل والأبعاد والحجاب وفي الظلمة ويحيطون بالكثير وبغير المتناهية ولا يحتاج إلى آلة وجارحة نظير أعيننا، وأيضا لا يحتاجون إلى ترتيب المقدمات واستنتاج النتايج منها كما يكون لنا في الدنيا لدرك ما لا يصل إليه حواسنا فيدركون بالإحاطة والإبصار الحقيقي كل شيء لا يمكن لنا فهمه إلا بالدليل ويكون ما ندركه بالدليل في الكمية بالنسبة إلى ما أدركوه بالبديهة كحلقة في فلاة، أو كمدركات الخراطين بالنسبة إلى مدركات أرسطو، وقد علمنا بالحس في ما نرى من الرؤيا الصادقة إحاطة موجودات عالم الغيب على بواطن الأمور وغيوبها ونعلم بهذا القياس مقدار علوم القوة العاقلة أعني العقول الكلية المدبرة كمية وكيفية، ومع ذلك فلا يقدر العقول على إدراك كنه حقيقة الباري تعالى. (ش)
(١٩١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 186 187 188 189 190 191 192 193 194 195 196 ... » »»
الفهرست