(حتى يستبين له ما في الحجب) من العظمة وصفات الكمال ونعوت الجلال. وإضافة النور إلى الحجب إما بيانية لأن نور عظمته حجاب مانع من رؤيته، أو لا مية إن أريد بالحجب مقامات العارفين إذ لكل مقام نور من عظمته يظهر للعارف إذا بلغه وأرفع تلك المقامات وأعلاها هو الذي بلغه سيد العارفين حتى شاهد نوره على أكمل ما يتصور للبشر ببصيرة قلبه بل ببصر عينه، ولا يبعد ذلك كما يرشد إليه حكاية موسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام في رؤيته لنور شجرة الطور، والنور في الموضعين على هذا التفسير محمول على ظاهره ويمكن أن يراد بالنور الأول منتهى ما عرف المقربون منه تعالى وقد شاع تسمية العلم بالنور ومنتهاه معرفة ما يليق به سبحانه وتنزيهه عمالا يليق به وقد تضمن على جميع ذلك قوله تعالى «ليس كمثله شيء» وهذه المعرفة تحجب عن معرفة ما وراء ذلك من تخييله وتمثيله وتجسيمه وتصويره وتشبيهه ورؤيته، فمعنى الحديث - والله أعلم - أنه كان إذا نظر إلى ربه بقلبه اللطيف وعقله الشريف جعل الرب قلبه في نور هو منتهى معرفته سبحانه وقد عرفت أن منتهى معرفته حجاب فلذلك قال: مثل نور الحجب بتشبيه ذلك النور بنور الحجب في المنع من الرؤية بل من جميع ما لا يليق بذاته المقدسة فإن ذلك النور مانع منها كما أن نور الحجب الذي هو نور العظمة ما منع منها، وغاية تلك المعرفة التي عبر عنها بالنور أن يستبين له (صلى الله عليه وآله وسلم) ما في الحجب مما يجوز له تعالى شأنه وما لا يجوز وكون رجليه في خضرة كناية عن أن قلبه في سبيل المعارف الإلهية كان مستغرقا في بحار معرفة ما يليق به من الصفات الكمالية والنعوت الجلالية لم يكن في وسعه التجاوز عنها إلى ذاته الحقة الأحدية.
ويمكن أيضا أن يراد بالنورين العلم وبالحجب الملائكة القدسية والجواهر العقلية (1) وإلى هذا أشار سيد المحققين بقوله من ضروب ملائكة الله تعالى جواهر قدسية وأنوار عقلية وهم حجب أشعة جمال نور الأنوار ووسائط النفوس الكاملة في الاتصال برب الأرباب والنفس الإنسانية إذ استكلمت ذاتها الملكوتية ونفضت الجلبات الهيولاني ناسبت نوريتها نورية تلك الأنوار وشابهت جوهريتها جوهريتها فاستحقت الاتصال بها والانخراط في زمرتها والاستفادة منها ومشاهدة أضوائها ومطالعة ما في ذواتها من صور الحقايق المنطبعة فيها، وإلى ذلك أشار (عليه السلام) بقوله «جعله في