والسماء، ويطلق أيضا على الفضاء وهو البعد الخارجي وعلى كل خال وعلى الباطل ولعل المراد به هنا عالم الإمكان طولا وعرضا وتسميته بالهواء إما من باب تسمية الكل باسم الجزء أو باعتبار أنه بعد معين وفضاء في الخارج أو باعتبار خلوه عن الوجود في حد ذاته وبطلان حقيقته باعتبار نفسه إذ الحق بالحقيقة الحقة الثابتة هو الذي وجوده لذاته كما يرشد إليه قوله تعالى (كل شيء هالك إلا وجهه).
(فهو يدرك) أي فهو قابل لأن يدرك (جميع ما في الهواء ويتوهمه) سواء حصل له إدراك الجميع بالفعل أو لا وذلك لأن النفس في مبدء الفطرة خالية عن العلوم وقد خلقت لها آلات بدنية لتتصفح بها صور المحسوسات ومعانيها وتتنبه لمشاركات بينها ومباينات فيحصل لها التجربة وسائر العلوم الضرورية والمكتسبة كلا أو بعضا على تفاوت مراتبها.
(فإذا حمل القلب على ما ليس في الهواء موجودا) وبلغ شعاع بصيرته إلى العدم الذي يمنع من نفوذه وفيما بعده (رجع راجعا) إلى ما وراءه (فحكي ما في الهواء) من المهيات والحقايق والكيفيات (فلا ينبغي للعاقل أن يحمل قلبه على ما ليس موجودا في الهواء من أمر التوحيد جل الله وعز) إذ ليس ذاته تعالى وماله من صفات كماله ونعوت جلاله موجودة في الهواء.
(فإنه إن فعل ذلك لم يتوهم من أمر التوحيد إلا ما في الهواء موجودا) وذلك بسبب رجوع البصيرة عما ليس موجودا في الهواء من أمر التوحيد إلى ما هو موجود فيه من الأمور الممكنة (كما قلنا في أمر البصر) من أنه إذا حمل على ما لا سبيل له رجع راجعا فحكى ما وراءه فيلزم حينئذ أن يدرك الله تعالى على صفات خلقه.
(تعالى الله أن يشبهه خلقه) والحاصل أن صنع القلب هو التصرف في الممكنات والتقلب في الماديات والتعقل للمهيات وجزئياتها بتوسط الآلات فإذا تصدى لإدراك الواجب بالذات لا يدركه إلا على سبيل إدراك المخلوقات وهو سبحانه متنزه عن المادة والمهية والمشابهة بالخلق فقد ظهر أنه تعالى لا يمكن إدراكه بالقلب كما لا يمكن إدراكه بالحواس.