شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٣ - الصفحة ٢٠٢
العامة رووا أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) رأى ربه في صورة الشاب الموفق من أبناء ثلاثين سنة ورجلاه في خضرة وباقي جسده خارج» فالحكم بالاشتباه خطأ وكانه حكم به باعتبار أن الريق له معنى مناسب هنا لان الريق على وزن ضيق ذو بهجة وبها من راق الشيء إذا بلغ.
(وقلنا إن هشام بن سالم) قال العلامة في الخلاصة هو ثقة ثقة وكان الحديث ضعيفا لا يقدح فيه (صاحب الطاق) هو محمد بن علي بن النعمان أبو جعفر الأحول الصراف في طاق المحامل بكوفة (والميثمي يقولون إنه أجوف إلى السرة) أي ذو جوف وخالي الداخل وجوف كل شيء قعره (والبقية صمد) أي مصمد مصمت لا جوف له (فخر) أي سقط على الأرض (ساجدا لله) تخشعا لعظمته (ثم قال) في سجوده على الظاهر (سبحانك) أنزهك تنزيها عما لا يليق بك من التشبيه والتوصيف (ما عرفوك) على ما ينبغي من معرفتك (ولا وحدوك) (1) على ما وجب لك

١ - «ولا وحدوك» إن كان هذا الخبر صحيحا موافقا للواقع بجميع ما فيه لزم كون مؤمن الطاق وهشام ابن سالم والميثمي - وهو أحمد بن حسن بن إسماعيل من أولاد ميثم التمار - غير موحدين وهذا ينافي ثقتهم ومنزلتهم عند الأئمة (عليهم السلام) وربما ينسب مثل قولهم إلى هشام بن الحكم على ما يأتي إن شاء الله ويأتي ما عندنا في ذلك ونقدم بيان أمور:
الأول: أن الكفر والإيمان يدور مدار الإقرار بالتوحيد والرسالة فمن اعترف بهما مؤمن ومن أنكر أحدهما كافر وقد يستلزم اعتقاد شيء نفي أحدهما لزوما بينا فصاحب ذلك الاعتقاد كافر، وقد يستلزم لزوما غير بين وهذا لا يوجب الكفر إذ لا يدل على إنكار صاحبه التوحيد أو الرسالة، مثال الأول قول من يذهب إلى أن أحكام الشريعة الصادرة من نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم) كانت بمقتضى فكره وعقله مناسبة للمصالح في عصره فإنه من اللوازم البينة لإنكار النبوة وكذلك من يعيب أحكامه (صلى الله عليه وآله وسلم) ويظن أن عند الناس أحكاما وقوانين أحسن منه.
مثال الثاني: القول بالتجسيم فإنه يستلزم إنكار الواجب تعالى لزوما غير بين إذ لا يعلم أن القائل به يفهم أن الجسم مركب والمركب محتاج إلى الأجزاء فهو ليس بواجب الوجود، وهذا ليس مما يفهمه جميع الناس فالحق عدم الحكم بكفر أهل التجسيم أن لم يكن ممن له إلمام بهذه المسائل.
الأمر الثاني: أن كثيرا من محدثي العامة والكرامية بل الأشاعرة يثبتون له تعالى صفات الجسم ولوازم الجسمية ويتبرؤون من التجسيم مثلا يقولون إنه على العرش حقيقة، وإنه يرى في الآخرة، ورآه نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم) بعيني رأسه وانه ينزل في كل ليلة جمعة ولكن ليس جسما، وهذا تناقض يلتزمون به ولا يبالون، وهذا يدل على عدم تفطنهم لكثير من اللوازم البينة أيضا وعندنا هو عين التجسيم.
الأمر الثالث: قد مر من كلام هشام بن الحكم دليل على نفي التحيز والتمكن ومع ذلك نقلوا عنه القول بالتجسيم فإن صح النقل فلا بد أن يحمل قوله وقول أمثاله بالجسم على خلاف ظاهره إذ الجسم لا يوجد إلا في مكان وحيز بالبديهة وهم نفوا المكان فكأنهم أرادوا بالجسم الموجود المستقل بذاته إذ لم يجدوا لفظا في التعبير عنه أقرب في التفهيم من لفظ الجسم كما رأينا في تعبيرات المتأخرين أنه تعالى جوهر، أوله ماهية، ولم يريدوا به الجوهر المصطح من قسمي الممكن ولا الماهية التي هي حد الوجود، أو قالوا أنه تعالى شيء يعنون أن له حقيقة ووجود أو ليس عرضا واعتباريا وعلى هذا فيكون تخطئة الإمام (عليه السلام) إياهم في تعبيرهم الموهم الباطل لا في أصل اعتقادهم.
الأمر الرابع: الوجود حقيقة واحدة والماهيات حدود واعتبارات عارضة وبما شبهت ذلك بما ثبت في عصرنا من أن النور والصوت والكهرباء تموجات في الهواء أو الأثير نظير تموج الماء بإلقاء شيء فيه فهي حقيقة واحدة يظهر في أذهاننا تارة في الصوت وتارة في النور وأخرى الكهرباء وكذلك الوجود بناء على أصالته حقيقة واحدة يختلف بالشدة والضعف والماهيات مظاهر لمراتبه في فكرنا وذهننا، وأيضا تحقق في عصرنا نوع من النور غير مرئي بالبصر وينفذ في أجسام غير مشفة ويؤخذ به التصوير من باطن الإنسان كما رآه كل أحد ومع ذلك لا نرى هذا النور وهو نور فلا يبعد أن يكون مجبولا في فطرة كثير منهم وإن لم يمكنهم التعبير عنه أن الجسم يختلف اختلافا بحسب العوالم المختلفة مع حفظ حقيقة واحدة فليكن هذا على ذكر منك حتى يحين حينه إن شاء الله. (ش)
(٢٠٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 197 198 199 200 201 202 203 204 205 206 207 ... » »»
الفهرست