إلى مبدئه ليعود إليه كما بدء منه أو لإعدام الفاعل إياه أو لطريان شيء آخر من الحوادث عليه وكل ذلك عليه سبحانه محال.
(كان أولا بلا كيف ويكون آخرا بلا أين) أوليته عبارة عن كونه قبل وجود الممكنات وآخريته عبارة عن بقائه بعد فنائهم وما وقع في بعض الروايات من نفي الأولية والآخرية عنه فانما المقصود منه نفي الأولية والآخرية الزمانيتين. واقتران سلب الكيف مع الأولية وسلب الأين مع الآخرية إما لمجرد الذكر لا لأمر يقتضيه (1) إذ لو عكس لكان أيضا صحيحا أو لأن إقدام الوهم إلى اعتبار الكيف له مثل زيادة الصفات المختصة القائمة به في مرتبة الأولية الحاصلة قبل إيجاد الأين والأينيات أظهر من إقدامه إلى اعتبار الأين له في تلك المرتبة، فلذلك ذكر سلب الكيف مع الأولية، ويمكن أن يقال: أوليته عبارة عن اعتبار كونه مبدءا لكل موجود وآخريته عبارة عن اعتبار كونه غاية ومقصدا لكل ممكن.
والحاصل أنهما اعتباران إضافيان يحدثهما العقول لذاته المقدسة، وذلك أنك إذا لاحظت ترتيب الموجودات في سلسلة الحاجة إليه سبحانه وجدته بالإضافة إليها أنه أول إذ كان انتهاؤها في سلسلة الحاجة إلى غنائه المطلق فهو أول بالعلية والشرف وإذا اعتبرته بالنظر إلى ترتيب السلوك ولاحظت منازل السالكين في منازل عرفانه وجدته آخرا إذ هو آخر ما يرتقي إليه درجات العارفين ومعرفته والوصول إليه هي الدرجة القصوى والمنزل الآخر للسالكين في حيز الإمكان وعلى ما ذكرنا لا يرد أن كل ما يصح له من الصفات كان له تعالى استحقاق واحد لجميعها دائما ولا يكون استحقاقه لبعضها سابقا على استحقاقه لبعض آخر، فلا يصح أن يقال: مثلا استحقاقه للأولية قبل استحقاقه للآخرية ولا استحقاقه للعالمية قبل استحقاقه للقادرية لاستحالة تغير الأوصاف واستحقاقها فيه، وإنما لا يرد ذلك لأن استحقاقه تعالى لها بالنظر إلى ذاته سواء لا ترتب فيه ولا تقدم ولا تأخر ولا ينافي ذلك التفاوت بحسب الاعتبار لأن اعتبار التفاوت لا يستلزم التفاوت بالنظر إلى الواقع.