لا يقال: قد ثبت أنه تعالى لا يتصف بصفة زايدة فكيف يوصف بالأولية والآخرية؟
لأنا نقول: الأولية والآخرية من الأوصاف الإضافية الصرفة والنعوت الاعتبارية المحضة على أنهما راجعتان إلى السلب كالصفات الذاتية فإن الأولية راجعة إلى أنه ليس للموجودات مبدء غيره والآخرية راجعة إلى أنه ليس لها غاية ومقصد غيره وأما أنه تعالى بلا كيف ولا أين في لحاظ الأولية والآخرية له تعالى فلأنه لا كيف ولا أين له في مرتبة عليته للكاينات والكيف والكيفيات والأين والأينيات بالضرورة، وإذا خلا من الكيف والأين في تلك المرتبة لم يجز اتصافه بهما أبدا وإلا لزم انتقاله من نقص إلى كمال أو من كمال إلى نقص وهو على الواجب بالذات محال.
(وكل شيء هالك إلا وجهه) اقتباس من القرآن المجيد وحجة لما ذكره من أنه أول بلا كيف وآخر بلا أين، بيان ذلك أن ضمير وجهه راجع إليه سبحانه، والوجه بمعنى الذات والمعنى أن كلا من الموجودات وإن كان مأخوذا مع الوجود فهو هالك باطلا أزلا وأبدا (1) في ذاته لعدم استحقاق الوجود نظر إلى ذاته القابلة للعدم إلا ذاته المنزهة عن الاحتياج إلى الغير فإن وجوده الواجبي لكونه عين ذاته حق ثابت باق أزلا وأبدا ومنه نشأ وجود سائر الموجودات على النظام الأفضل والترتيب الأكمل، وإذا كان كذلك فهو المسحق لأولية الوجود لكونه مبدءا وآخريته لكونه غاية ومقصدا وهو المستحق أيضا لعدم اتصافه بالكيف والأين هذا الذي ذكرناه في تفسير هذه الآية الكريمة أشار إليه بهمنيار في التحصيل حيث قال: الحق يطلق على شيء يكون الاعتقاد صادقا بسبب ذلك الشيء، ومع صدق الاعتقاد يكون ذلك الشيء دائما.
ومع دوامه يكون لذاته لا غير، وإذا كان كذلك فكل شيء بالقياس إلى ذاته باطل وبه حق وهو أحق بأن يكون حقا، فلذلك «كل شيء هالك إلا وجهه» انتهى.