شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٣ - الصفحة ١٢١
إلى مادة فإن ذلك ليس من صفة ربنا جل شأنه (1).
(لا يحد ولا يبعض) بأجزاءه مقدارية لأن القابل للتحديد والتبعيض له جزء وكل ذي جزء مفتقر إلى جزئه الذي هو غيره وكل مفتقر إلى غيره ممكن، في ذاته وكل ممكن في ذاته يفتقر في وجوده إلى غيره والواجب الوجود لذاته لا يفتقر إلى الغير أصلا لا في الوجود ولا في غيره.
(ولا يفنى) يريد أن وجوده أزلي أبدي سرمدي لا يطرأ عليه العدم والفناء لأن الوجوب الذاتي والقدم مناف لطريان الفناء والعدم ولأن الفناء إما لانقطاع القوة المزاجية أو لميل كل شيء بطبعه (2)

١ - قوله «في خلق شيء إلى مادة» هذه شبهة أخرى في ذهن الجهلة أيضا ولا ريب أن كل موجود ممكن يستوي نسبته إلى الوجود والعدم سواء كان جسما أو روحا أو عقلا أو مادة أو صورة ولا يترجح وجوده على عدمه إلا بمرجح والمادة ممكن الوجود أيضا فلا بد أن تكون مخلوقة ويكون وجودها مستفادا من العلة ولا يحتاج تعالى في إيجاد المادة إلى مادة أخرى يخلقها منها وإلا لذهب الأمر إلى غير النهاية وتسلسل المواد، وهذا يؤدي إلى كون المادة واجب الوجود بالذات وهو باطل فثبت أن الله تعالى خلق المادة الأولى من العدم وأيضا ثبت عند المشائين أن المادة هي أضعف الموجودات وأخسها ووجودها بالقوة محضا وليس لها فعلية أصلا وهي أضعف في الوجود من الأعراض والقوى الفاعلة فإذا كانت الأعراض مثل البياض والسواد والحرارة والعدد والشكل لا تقوم بنفسها بل تحتاج إلى محل أو شيء يقيمها وكذلك القوى مثل الغاذية والنامية غير قائمة بذاتها فالمادة الضعيفة أولى بالاحتياج إلى شيء يقيمها ولذلك قالوا الصورة مقدمة على المادة في الوجود وبالجملة فلا ريب في كون المادة مخلوقة، وأما سائر الأشياء فأما أن تكون مجردات لا تحتاج إلى مادة تحل فيها كالعقل وإما أن تكون أمورا متعلقة بالمادة لا يمكن وجودها في الواقع إلا في مادة مصورة بصورة فعلية كالحرارة والبرودة والأشكال والصور النوعية، أما المجردات فأمرها واضح، وأما ما لا يمكن وجودها إلا في مادة فيخلق الله تعالى المادة ثم يخلقها فيها وهذا لا يدل على احتياج الواجب تعالى إلى شيء ولا عجزه عن شيء، وقولنا كل شيء مادي لا يمكن وجوده إلا في مادة مثل قولنا كل شيء مكاني لا يمكن وجوده إلا في مكان وكل شيء متغير زماني لا يمكن وجوده إلا في زمان، ولو كان الموجود المادي يمكن وجوده لا في مادة أي مجردا لم يكن ماديا وخرج عن الفرض.
قال أبو علي بن مسكويه: المني من الدم والدم من الغذاء والغذاء من النبات والنبات من الاستقصات والاستقصات من البسائط والبسائط من الهيولي والصورة، والهيولي والصورة لما كانا أول الموجودات ولم يصح وجود أحدهما خلوا من الآخر لم ينحلا إلى شيء موجود بل إلى العدم فيكون وجودهما لا عن شيء وذلك ما أردنا أن نبين. (ش) 2 - قوله «لميل كل شيء بطبعه» سيأتي معنى الفناء في شرح قوله تعالى (كل شيء هالك إلا وجهه) إن شاء الله تعالى. (ش)
(١٢١)
مفاتيح البحث: الهلاك (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 116 117 118 119 120 121 122 123 124 125 126 ... » »»
الفهرست