يدانيه شئ من العقول إذ كما أن الأنوار متفاوتة فنور الشمس والقمر والكواكب والمصباح واليراعة بعضها فوق بعض لا يكون اللاحق مثل السابق، فكذلك العقول متفاوتة في الدرجات والمراتب وعقله (عليه السلام) أعلى الدرجات الممكنة وأقصى المراتب المتصورة وهو مظهر للحقايق والمعارف الإلهية ومعدن للأسرار والمعلوم الربانية ومدرك لما يعجز عن إدراكه عقول البشر ويقف دون الوصول إليه الفكر والنظر فلذلك ما كلم العباد أبدا بحقيقة ما عرفه ونهاية ما بلغه وكيفية ما عقله لئلا يقعوا في الحيرة وقد بعث لازاحتها وأرسل لازالتها، ولأن الغرض من الكلام إنما هو الافهام والمخاطب إذ ألم يفهم كان ذلك عبثا والحكيم لا يبعث. ولذلك كانت الحكماء يوصفون بضنة الحكمة عن غير أهلها» (1) ومن هذا القبيل ما روي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال «قام عيسى ابن مريم خطيبا فقال: يا بني إسرائيل لا تحدثوا الجهال بالحكمة فتظلموها ولا تمنعوها أهلها فتظلموهم» (2) وينبغي أن يعلم أن المراد بالعباد أكثرهم فانا نعلم قطعا أن عليا (عليه السلام) نفسه المقدسة كما دلت عليه آية المباهلة وغيرها من الروايات وأنه كلمه وعلمه بكنه ما عقله مما هو كائن ويكون في الدنيا والآخرة.
(وقال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) إنما معاشر الأنبياء) أي جماعاتهم جمع معشر وهي الجماعة (امرنا أن نكلم الناس على قدر عقولهم) أي على قدر ما يدركه عقولهم من المعارف والحقايق وغيرها لأن الحكيم النحرير يراعي في تعليم العقول الناقصة المتحيرة في تيه الضلالة والنفوس المنكدرة برين الغواية وغين الجهالة وتأديبها بمحاسن الآداب ومكارم الأخلاق والفضائل وتخليصها عن غواشي الأوهام ومساوي العيوب والرذايل وما يناسبها ويبلغ إليه فهمها وينتهى إليه دركها (3) وقد يلبس