اكتسابها ليرتقي من حضيض النقص إلى أوج الكمال، فإن قلت لا شبهة في أن أصل العقل منه تعالى فهل درجاته السنية ومراتبه العلية التي تحصل بكثرة التجارب والمعارف واقتراف العلوم والحقايق واكتساب الآداب والفضايل منه تعالى أو من العبد (1)؟ قلت: النظر إلى ظاهر هذا الحديث وظاهر ما مر «ولا أكملتك إلا فيمن أحب» وظاهر قوله «إنما يداق الله العباد في الحساب يوم القيامة على قدر ما آتاهم من العقول في الدنيا» إلى غير ذلك من الأخبار المتكثرة يفتضى أنها منه تعالى وتلك العلوم والآداب وإن كان لها مدخل في حصولها لكنها ليست عللا فاعلية لها بل هي شرائط لتحققها وصدورها من المبدء الفياض كما أن الدهن شرط أو معد لزيادة ضوء المصباح وأصل الضوء وزيادته وكماله منه تعالى (2).
* الأصل:
19 - «علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن يحيى بن المبارك، عن عبد الله بن جبلة، عن إسحاق بن عمار، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت له: جعلت فداك إن لي جارا كثير الصلاة، كثير الصدقة، كثير الحج لا بأس به قال: فقال: يا إسحاق كيف عقله؟ قال: قلت له: جعلت فداك ليس له عقل، قال: فقال: لا يرتفع بذلك منه».
* الشرح:
(علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن يحيى بن مبارك) في بعض كتب الرجال أنه من أصحاب الرضا (عليه السلام) وما رأيت اسمه في الخلاصة (عن عبد الله بن جبلة عن إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت له: جعلت فداك إن لي جارا كثير الصلوة كثير الصدقة كثير الحج) لفظ الكثير منصوب على أنه صفة لأن الإضافة اللفظية لا يكتسب تعريفا، أو مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف وهو والصفة حينئذ جملة (لا بأس به) لعل المراد من نفي البأس هو أنه من أهل الولاية أو أنه من أهل الصلاح لا يؤذي أحدا (قال: فقال: يا إسحاق كيف عقله؟) لما بالغ إسحاق في وصفه بالأعمال الصالحة سأل (عليه السلام) عن أصل تلك الأعمال وهو العقل الذي يميز بين الحق والباطل ويوجب الإقرار بالحق تنبيها على أنه هو الحري بالاتصاف به لأنه نور يبصر به خير الدنيا والآخرة