فتشبيه المنى بالمرتهن مكنية وإثبات الارتهان لها تخييلية، والراهن هو النفس الأمارة بالسوء، وفيه مبالغة بليغة على كمال إفلاسها حيث رهنت لغاية اضطرارها وعدم اهتدائها المظلوم ما هو أشرف متاع البيت وهو القلب وينشؤ ذلك من الافراط في القوة الشهوية ومرضها الذي يسري إلى البصاير ويوهنها ويطمس نورها ويمنعها من إدراك المعارف وما ينفع في اليوم الآخر فلا محالة يتوجه إلى الشهوات الزايلة والزهرات الحاضرة والأماني الباطلة وينظر إليها بعين الظاهرة فيتمنى دائما حصول ما لا يبلغه وبناء ما لا يسكنه وجمع ما يتركه لانتفاء الزاجر فلا يبالي من باطل جمعه ومن حق منعه ومن حرام حمله وأما العاقل فيعلم بنور بصيرته أن أشرف الغنى ترك المنى والاعتماد على الموالي. وبخلوص سريرته أن الأماني آفة تعمي أعين البصاير التي في الصدور حتى لا ترى وخامة عواقب الأمور فيحصل له همة صادقة تبعثه على فطام النفس عن الشهوات ونزع القلب عن أيدي الأماني والشبهات وصرف النظر عن الخلق والرجوع بالكلية إلى الحق (وتستعلقها الخدايع) بالعين المهملة والقاف يقال: علق الشئ بالشيء تعليقا فتعلق به وعلق بابا على داره إذا نصبه وركبه وعلق بالشيء بكسر اللام بمعنى تعلق واستعلق هنا بمعنى علق بالكسر لا لمجرد الطلب إلا أن فيه مبالغة لأن الواقع مع الطلب أشد وأقوى، وخدعه ويخدعه خدعا أي ختله وأراد به المكروه والضرر من حيث لا يعلم والاسم منه الخديعة وجمعها الخدايع ومعناه بالبفارسية (ميچسبد بقلب جاهل خديعه ومكر) وهذا يحتمل وجهين أحدهما أن الجاهل شأنه أن يخدع غيره ويمكر به ويريد إيصال المكروه والضرر إليه لغرض من الأغراض الفاسدة كما قال سبحانه في وصف المنافقين (يخادعون الله) أي يخادعون أولياءه وثانيهما أن شأنه الانخداع وقبول الخديعة والمكر من الخادعين الماكرين كثيرا سريعا لقلة عقله وضعف بصيرته وسوء تدبيره في عاقبة أمره، وأما العاقل فله عينان في الظاهر وعينان في الباطن وبذلك ينتظم حاله ظاهرا وباطنا لا يخدع غيره تحرزا عن صفات المنافقين ولا ينخدع من غيره كثيرا كما هو شأن المؤمنين قال (صلى الله عليه وآله): «المؤمن لا يلدغ من حجر مرتين» (1) قيل في بعض النسخ «تستلقها» بالقافين أي تجعلها الخدايع منزعجة منقطعة عن مكانها. وفي بعضها بالغين المعجمة من استغلقني في بيعة أي لم يجعل لي خيارا في رده.
* الأصل:
17 - «علي بن إبراهيم، عن أبيه; عن جعفر بن محمد الأشعري، عن عبيد الله الدهقان، عن درست، عن إبراهيم بن عبد الحميد قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): أكمل الناس عقلا أحسنهم خلقا».
* الشرح: