شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ١ - الصفحة ٢٧٣
الصحيحة وذله وانقياده في الدين من صفات العاقل وعلامات الإيمان كما ورد من طرق العامة والخاصة «المؤمنون هينون لينون» (1) وصعوبة الطبع يعني أضداد هذه الأمور من صفات الجاهل الحاير الذي ينبو ذهنه من الحق الزاهر، ويمرق طبعه من عرض الصدق إلى الجانب الآخر، ولا يطيع لقائده إلى منازل العرفان والكمال بل يغلبه مثل الجموح عن دين الحق مسرعا في سبل الضلال وكذا شأنه دائما في سرعة المسير إلى أن يقع في أسفل السافلين وبئس المصير.
(والبركة وضدها المحق) البركة النماء والزيادة ويحتمل أن يراد بها الدوام والثبات من برك البعير إذا استناخ ولزم وثبت في موضع واحد، والمحق النقصان وذهاب البركة، وقيل: هو أن يذهب الشئ كله حتى لا يرى منه أثر، ومنه (يمحق الله الربا) أي يستأصله ويذهب ببركته ويهلك المال الذي يدخل فيه ولعل المقصود أن الزيادة في فعل الخيرات والمبالغة في المبرات والثبات والدوام عليها من صفات العقل وكمال العقلاء كما روي «من استوى يوماه فهو مغبون» (2) وروي أيضا «ما من شئ أحب إلى الله عز وجل من عمل يداوم عليه وإن قل» (3) والنقصان في العمل أو عدم الدوام والثبات عليه من صفات الجاهل لجهله بمنافع العمل وغفلته عن جزيل الثواب ونسيانه حظه ونصيبه في يوم الحساب، وقيل: المراد أن العاقل يحصل المال من الوجه الذي يصلح له ويصرف فيما ينبغي الصرف فيه فينمو ويزيد ويبقى ويدوم له، والجاهل يحصل من غير وجهه ويصرف في غير المصرف فيبطل ماله ويذهب بركته، وقيل: المراد أن البركة من صفات العقل لارتفاعه عن العالم التغير والآفة والدثور والنقص من صفات الجهل لتعلقه بعالم الفساد والزوال والشرور.
(والعافية وضدها البلاء) يقال: عافاه الله معافاة وعافية إذا سلمه من الآفات وبلاه وأبلاه بلاءا إذا جربه واختبره وامتحنه ويمكن أن يراد بالسلامة والبلاء فيما مر السلامة من إيذاء المسلمين أو من الأمراض النفسانية كما أشرنا إليه أو من العيوب والآفات البدنية كما قيل فإن السلامة من هذه الأمور من صفات العاقل إذ العاقل لا يؤذي مسلما ويتخلص من الأمراض النفسانية مهما أمكن من العيوب والآفات حيث يعرفها ويعرف طريق التخلص، والجاهل يختارها ويقع فيها من حيث لا يدري وأن يراد بالعافية والبلاء هنا العافية والسلامة من الأعمال الظاهرة الفاسدة أو من العقوبات الأخروية

1 - أخرجه البيهقي في شعب الايمان من حديث ابن عمر كما في الجامع الصغير. ورواه الكليني في الكافي كتاب الايمان والكفر (باب المؤمن وعلاماته وصفاته) تحت رقم 14.
2 - رواه الصدوق (رحمه الله) في معاني الاخبار ص 342 باب معنى المغبون باسناده عن الصادق (عليه السلام) «من استوى يوماه فهو مغبون، ومن كان آخر يوميه خيرهما فهو مغبوط ومن كان آخر يوميه شرهما فهو ملعون، ومن لم ير الزيادة في نفسه فهو إلى النقصان. ومن كان إلى النقصان فالموت خير له من الحياة».
3 - الكافي كتاب الايمان والكفر باب استواء العمل والمداومة عليه تحت رقم 3.
(٢٧٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 268 269 270 271 272 273 274 275 276 277 278 ... » »»
الفهرست