شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ١ - الصفحة ٢٦٤
تقول لهما: اف إن أضجراك، ولا تنهرهما إن ضرباك، ولا تملأ النظر إليهما إن أغضباك ولا ترفع صوتك فوق أصواتهما ولا يدك فوق أيديهما، ولا تقدمهما ولا تستسبهما بأن تسب أبا غيرك وأمه فيسب أباك وأمك ولا تفعل ما يؤذي نفسك أو صديقهما فإن ذلك يؤذيهما، ولا تعنهما على الظلم فان الإعانة عليه خلاف البر، ولا تسافر إلا بإذنهما وإن كان إلى الجهاد لأن انسهما بك يوما وليلة خير من جهاد سنة، ثم لا فرق في وجوب برهما بين أن يكونا حيين أو ميتين لرواية محمد بن عمران عن الصادق (عليه السلام) ورواية محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «إن العبد ليكون بارا بوالديه في حياتهما ثم يموتان فلا يقضي عنهما دينهما ولا يستغفر لهما فيكتبه الله عز وجل عاقا، وإنه ليكون عاقا لهما في حياتهما غير بار بهما فإذا ماتا قضى دينهما واستغفر لهما فيكتبه عز وجل بارا» (1) وكذا لا فرق بين أن يكونا برين أو فاجرين لما رواه عنبسة بن مصعب عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «ثلاث لم يجعل الله عزوجل لأحد فيهن رخصة أداء الأمانة إلى البر والفاجر. والوفاء للعهد للبر والفاجر وبر الوالدين برين كانا أو فاجرين» (2) ولا بين أن يكونا مؤمنين أو مخالفين أو كافرين لروايات متكثرة منها رواية جابر عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3) ورواية زكريا بن إبراهيم عنه (عليه السلام) (4).
(والحقيقة وضدها الرياء) لكل شئ حقيقة وحقيقة العمل هي الاخلاص يعني صرفه إلى الله طلبا لرضاه والرياء وهو القصد بالطاعة إلى التقرب بالمخلوقين وطلب المنزلة في قلوبهم والميل إلى إعظامهم له وتوقيرهم إياه وتسخيرهم لقضاء حوائجه والقيام بمهماته إلى غير ذلك من الأغراض الفاسدة النفسانية والتسويلات الكاسدة الشيطانية مناف لتلك الحقيقة وضدها لا يجامعها أصلا كما أشرنا إليه سابقا بخلاف الشوب في قوله (عليه السلام) «والاخلاص وضده الشوب» فإن بعض أفراده وهو ما إذا ضم إلى العبادة قصد تحصيل الثواب والتحرز عن العقاب أو قصد التبرد والتسخن غير مناف لحقيقة الاخلاص وإنما هو مناف لكماله فلذلك لم يجعل الشوب ضد الحقيقة مثل الرياء إذا عرفت هذا فنقول: إن خصصنا الرياء في هذه الفقرة بالرياء الخالص وعممنا الشوب في الفقرة السابقة بشوب الرياء وغيره أو خصصنا الشوب بشوب غير الرياء وعممنا الرياء هنا بالرياء الخالص والرياء المنضم كان بينهما تباين في التحقق قطعا وفي الحكم أيضا على الثاني دون الأول لأن الرياء مبطل للحقيقة مطلقا والشوب على الثاني غير مبطل للحقيقة بل لكمالها عند بعض وعلى الأول أعم من أن يكون مبطلا أو غير مبطل وإن عممنا الشوب والرياء كليهما كان بينهما عموم من وجه في التحقق وعموم مطلق في الحكم.

1 - و (2) الكافي كتاب الايمان والكفر باب البر بالوالدين تحت رقم 21 و 15 3 - و (4) المصدر تحت رقم 10 و 11.
(٢٦٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 259 260 261 262 263 264 265 266 267 268 269 ... » »»
الفهرست