شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ١ - الصفحة ١٩٧
وكان رسولا نبيا» وقيل، معناه إن العاقل لا يعد أمرا من الأمور حتى يعلم أنه قادر على إتمامه والبلوغ إلى غايته.
وكأنه قرأ يعد بشد الدال من الإعداد والظاهر أنه تصحيف (ولا يرجوا ما يعنف برجائه) التعنيف اللوم والتعيير والرجاء هي الصورة الحاصلة في النفس من تقدير شئ وتصويره فيها وأكثره ينشأ من تخمين بلا روية، وفي النهاية الرجاء هي التوقع والأمل والمراد به هنا طلب رجل ما لا يستحقه ولا يليق بحاله كما هو من بضائع النوكى (1) وشرايع الحمقى، مثل أن يطلب الفقير الخمول السلطنة والجاهل الغبي التطلع بالأسرار اللاهوتية ويدعي المبتدىء في العلم رتبة الاستادين الكاملين ورجاء أمثال ذلك من لوازم الجهالة ولواحق الغباوة لامن صفة العلماء وسمت العقلاء فإن العاقل العالم لإنارة قلبه وإضاءة ذهنه وانفتاح عين بصيرته له حاجز عن ذلك ونور يستبين به العواقب ويترك به القبايح ويجتنب عن رجاء ما لا يليق به وينزل نفسه في مكانه ويطلب الأشياء في مظانها «رحم الله عبدا عرف قدره فلم يجاوز طوره» (لا تقدم على ما يخاف فوته بالعجز عنه) قرء بعض العلماء قوته بالقاف المضمومة وتشديد الواو، وقال: أي على قوته فالنصب على نزع الخافض، والنسخ التي رأيناها بالفاء المفتوحة والواو الساكنة يعني أن العاقل لا يقدم على فعل ليس في وسعه ولا يرتكبه تحرزا عن لحوق اللوم بسبب العجز عنه رأسا أو بسبب العجز عن الاتيان به على وجه الكمال وكذا لا يقدم على قول وفعل في غير وقتهما لأنه يعلم أن الأشياء مرهونة بأوقاتها ومن أقدم عليهما في غيرها عجز عنهما (2) وأذل نفسه، وقال الصادق (عليه السلام): «لا ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه، قيل له: وكيف يذل نفسه؟ قال: يتعرض لما لا يطيق» (3) وفي رواية أخرى (4) عنه (عليه السلام) قال:
«يدخل فيما يتعذر منه». (5)

١ - بضايع جمع الضاعة. النوك - بالضم والفتح - جمع نوكي كسكرى (القاموس).
٢ - أدب المعاشرة مع الناس ينقسم بانقسام الناس وهم طوائف فمنهم العلماء والمعاشرة معهم لتحصيل الآداب وزيادة العقل، ومنهم ولاة العدل وأدب الناس معهم الطاعة لحفظ العزة، ومنهم من تعرفه ويعرفك وله حق نعمة عليك بوجه من الوجوه وأدبك معه بذل النصيحة وترك الخيانة في الرأي ومراعاة مصلحته، ومنهم من ليس بينك وبينه معارفة وأدبك معه الكف عن أذاه والامتناع من الإضرار به، وأما أدب النفس بحيث يحفظ كرامته عند الناس فأوله استثمار المال، ذكره بعد ذكر طاعة الولاة لما بينهما من الارتباط ثم أن لا يحدث من يخاف تكذيبه فإن ذلك يشهره بالكذب، ولا يسأل من يخاف منعه فإنه يوجب الذلة، ولا يعد ما لا يقدر عليه فإن هذا أيضا يوجب مهانته وعدم اعتماد الناس عليه، ولا يتعرض لطلب ما لا يناله فإن هذا يستلزم رميه بالسفاهة ويستهرىء به ويذهب بكرامته ولا يستعجل في إدراك شئ يظن أنه لا يدركه لعجزه فإن ذلك أيضا سفاهة «ش».
٣ - و (٢) الكافي في كتاب الجهاد باب كراهة التعرض لما لا يطيق تحت رقم ٤ و ٥.
٥ - هذا خبر طويل رواية الحسين بن محمد بن عمران وهو ثقة، عن بعض أصحابنا وهو مجهول عن هشام بن الحكم مرسلا فروايته غير معتبرة من جهة الاسناد، والاعتماد على متنه إذ يتضمن مدح العقل مع الاستشهاد بالقرآن الكريم والتأيد بالأدلة العقلية فإن شمل بعض ألفاظه على ما يحتاج إلى تكلف في تفسيرها أو ينقل آية على خلاف ما في المصحف الشريف لا يستغرب ذلك فإن حفظ جميع ألفاظ الإمام (عليه السلام) في الروايات الطويلة خرق للعادة ولا يبعد سهو الراوي ونقله بعض الكلمات بتحريف وتصحيف ولا يجعل مثله دليلا على تحريف القرآن كما هو دأب الأخباريين فإن احتمال تطرق الوهم والتحريف إلى الخبر قريب والى القرآن ممتنع.
وقال صاحب الوافي قدس سره ولهذا الحديث ذيل في غير الكافي نذكره في كتاب الروضة ان شاء الله تعالى وفي الوافي أيضا شرح وتحقيق كثير اقتبس بعضه من السيد الداماد واستاده صدر المتألهين قدس سرهما ونقل منه كثيرا في هذا الشرح بألفاظهم من غير أن ينسبه إليهم وله عذر في ذلك نشير إليه في موضعه إن شاء الله تعالى (ش).
(١٩٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 192 193 194 195 196 197 198 199 200 201 202 ... » »»
الفهرست