شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ١ - الصفحة ١٩٤
وتحصى وإنما المذموم من جعل الدنيا لنفسه استقرارا ورضي بها دارا واطمأن بها وركن إليها وجعلها آلة للشهوات الباطلة واللذات الزائلة والسيئات الحائلة بينه وبين السعادة الأبدية.
وقد روى «أن الدنيا دنيا آن دنا دنيا ممدوحة» وهي ما يوجب زيادة القرب من الله تعالى، «ودنيا ملعونة» وهي ما يوجب البعد عن رحمته ويحتمل أن يكون استثمار المال كناية عن إخراج الزكاة لأن إخراج الزكاة يوجب نمو المال ولذلك سمي المخرج من المال زكاة ويدل عليه قول أمير المؤمنين (عليه السلام): «ان الله وضع الزكاة قوتا للفقراء وتوفيرا لأموالكم» (1).
(وإرشاد المستشير قضاء لحق النعمة) الاستشارة أمر مرغوب فيه شرعا وعقلا والروايات المرغبة فيها متظافرة وقد أمر الله تعالى بها سيد المرسلين وهو أعقل العاقلين فقال: «وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله» فمن اهتم بأمر يعلم أن الخيرة في فعله أو في تركه فعليه أن يستشير بذي الرأي المتين فإنه سبحانه يلهمه الخير والشر وعلى المستشار أن لا يخونه فإن من خان مسلما فقد خان رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومن خان رسول الله فقد خان الله ومن خان الله أخزاه الله في الدنيا والآخرة وسلب عنه نعماه ورحمته وعليه هدايته وإرشاده إلى ما هو خير له «قضاء لحق النعمة» أي نعمة المستشير عليه لأن تفويض المسلم أمره إلى أخيه واتكاله على رأيه فيه نعمة عليه، أو المراد بالنعمة عقل المستشار لأن العقل من أفضل نعماء الله تعالى على عباده والمراد بها أعم من ذلك وعلى التقادير إرشاده سبب لمقتضى حقها واستبقاء لها وإضلاله سبب لفسادها ويرشد إليه قول أمير المؤمنين (عليه السلام) «إن لله عبادا يختصهم بالنعم لمنافع العباد فيقرها في أيديهم ما بذلوها فإذا منعوها نزعها ثم حولها إلى غيرهم» (2).
(وكف الأذى من كمال العقل) قال: في المغرب: الأذى ما يؤذيك وأصله المصدر وقوله في المحيض «هو أذى» أي شئ يستقذر كأنه يوذي من يقر به نفرة وكراهة، والتأذي أن يؤثر فيه الأذى.
أقول: الأذى لفظ شامل لجميع أنواع الخصال المذمومة مثل الضرب والشتم والهجو والغيبة والتهمة وغيرها وإنما كان كف الأذى من كمال العقل لأن العاقل يعلم أن الغرض الأصلي من الخلق هو الوصول إلى جناب عزته والطيران في حظاير قدسه بأجنحة الكمال مع الملائكة المقربين وأن ذلك كما يتوقف على عبادة الرحمن كذلك يتوقف على كف الأذى من الإخوان، فكما أن صرف الهمة في العبادة من كمال العقل كذلك صرف النفس عن الأذى، وأما المؤذي فهو بمنزلة البهائم والسباع، عار عن حلية العقل ويعلم أيضا أن ترك الأذى يوجب التعاون والتعاطف والتراحم

1 - في المحاسن ص 319 والفقيه والكافي والعلل من حديث العقرقوفي عن موسى بن جعفر عليهما السلام.
2 - النهج أبواب الحكم تحت رقم 425.
(١٩٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 189 190 191 192 193 194 195 196 197 198 199 ... » »»
الفهرست