شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ١ - الصفحة ١٩٩
وأما معين النفس فهو ما قدر لها من الأخلاق الرذيلة وهي جنودها الآتية، واشتغال الحواس والقوى بتحصيل متمنياتها وتكميل مهوياتها أراد (عليه السلام) أن يبين لنا طريقا به يقطع التنازع بينهما ويحصل القوة على النفس ويصل إلى مقصوده فقال: (فاستر خلل خلقك بفضلك) إن كان «خلقك» بضم الخاء فالمراد بخلله رذائل الأخلاق النفسانية كالغضب والحسد والجور ونحوها، وإن كان بفتحها فالمراد بها هذه، والطرق الموصلة للصورة الشهية المحسوسة إلى النفس أعني الحواس أيضا يعني استر رذائل أخلاقك النفسانية وصور المحسوسات الشهوانية بعلمك وفضائل صفاتك العقلية والمراد بسترها دفعها بلطايف السياسات وطرائف التدبيرات فيتقوى العقل حينئذ بالفضل وتبقى النفس مع المتمنيات وميلها إلى اللذات بلا معين من خارج وداخل فتصير ضعيفة مغلوبة بحيث تقدر على قتلها بسيف العقل، ولذلك أمر (عليه السلام) به حيث قال: (وقاتل) بعد ما صيرت عقلك قويا ونفسك ضعيفة.
(هواك بعقلك) أي متمنياتها ومهوياتها وذلك إنما يتحقق بقتل النفس ويمكن أن يراد بالهوى النفس مجازا من باب تسمية السبب باسم المسبب (تسلم لك المودة وتظهر لك المحبة) الفعلان مجزومان بالشرط المقدر بعد الأمر أي إن سترت وقتلت تسلم لك مودتك الخلق أو موده الخلق لك لخلوصك عما يوجب التباغض والتحاسد والتفارق وغيرها من منافرات التودد والالتيام، وتظهر لك محبة الله تعالى إياك أو محبتك إياه لعروجك بالعقل والفضل بلا معارض من النفس وهواها ومن رذائل الأخلاق ورداها إلى ساحة قدسه ومقام أنسه وفي بعض النسخ وتظهر لك الحجة يعني وتظهر لك الحجة والغلبة بذلك على الخلائق فهم يقتفون آثارك وأطوارك لحق رياستك ويتبعون أفعالك وأقوالك لحسن سياستك فيكمل لك منقبة الدنيا وسعادة الآخرة، هذا ما وصل إليه الفكر الفاتر والله أعلم بحقيقة كلام وليه.
* الأصل:
«14 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن علي بن حديد، عن سماعة بن مهران قال:
كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) وعنده جماعة من مواليه فجرى ذكر العقل والجهل فقال أبو عبد الله (عليه السلام): اعرفوا العقل وجنده والجهل وجنده تهتدوا قال سماعة فقلت: جعلت فداك لا نعرف إلا ما عرفتنا، فقال أبو عبد لله (عليه السلام): إن الله عز وجل خلق العقل وهو أول خلق من الروحانيين عن يمين العرش من نوره فقال له أدبر فأدبر، ثم قال له: أقبل فأقبل، فقال الله تبارك وتعالى: خلقتك خلقا عظيما وكرمتك على جميع خلقي قال: ثم خلق الجهل من البحر الاجاج ظلمانيا فقال له:
أدبر
(١٩٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 194 195 196 197 198 199 200 201 202 203 204 ... » »»
الفهرست