شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ١ - الصفحة ١٩١
يعمر قلب الأنيس ويلين طبع الجليس (1) ويخرجه من الغفلة والنسيان ويذكره ثواب الأبد ونعيم الجنان، ويحييه بالموعظة العليا والسعادة العظمى والزهادة عن الدنيا حتى يصير تكونه كتكونهم وتلونه كتلونهم فيرتقى بذلك إلى معارج القدس، ويرتع في رياض الانس، ألا يرى أن من عقد خدمة النبي في وسط روحه كيف فتح الله عليه أبواب فتوحه ومن قارن بيضاء سماء الولاية ولازم نير فلك الإمامة وأخذ جواهر المعاني من زواهر كلماته واقتبس أنوار الحقايق من ضوء مشكاته كيف نور الله بذلك مهجته وزاد بهاءه وبهجته، وقد يرشد إلى ذلك قول أمير المؤمنين (عليه السلام): «قارن أهل الخير تكن منهم وباين أهل الشر تبن عنهم» (2) أي تتميز عنهم.
وفيه حث عظيم على وجوب مفارقة الفاسقين والاجتناب عن الظالمين والفرار عن أولياء الشياطين حتى كان تقارنهم موجبا للاتحاد بين الاثنين وذلك لأن جليس أهل الشر يأخذ منهم أعمال الشر بدارا كما أن الحديد بمجاورة النار يصير نارا، إذ قد اجتمع على تلك الأعمال بواعث من الطبع ووساوس من الشيطان وتدليسات من مردة الإنس، وتلبيسات من أهل الخذلان، فيوحى بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا، ويزين كل لصاحبه باطلا وزورا.
(وآداب العلماء زيادة في العقل) الآداب جمع الأدب (3) قال في المغرب الأدب أدب النفس والدرس - وقد أدب فهو أديب وأد به غيره فتأدب واستأدب وتركيبه يدل على الجمع - والدعاء ومنه الآدب لأنه يأدب الناس إلى المحامد أي يدعوهم إليها عن الأزهري، وعن أبي يزيد الأدب اسم يقع على كل رياضة محمودة يتخرج به الإنسان في فضيلة من الفضايل والمقصود أن آداب العلماء موجبة لزيادة عقل من جالسهم وعروجه من حضيض النقص إلى أوج الكمال، والوجه في ذلك مع ظهوره أن عقول العلماء مشرقة مضيئة في سماء الأبدان كالشمس فانقشعت عنهم سحائب الحجب

١ - ما نقل عن زين العابدين (عليه السلام) هنا راجع إلى عقل المعاش والمعاشرة مع الناس بعد ما كان ما رواه سابقا عليه من عقل المعاد وتهذيب النفس أشار إلى ذلك أستاذ الحكماء المتألهين صدر الدين (قدس سره) وذلك لأن المعاشرة مع الصلحاء والمداراة مع الأعداء من كمال العقل والشريعة الكاملة المحمدية (صلى الله عليه وآله) تدعوا التعاون والمعاشرة. (ش) ٢ - النهج كتاب له (عليه السلام) إلى ابنه الحسن بن علي (عليه السلام).
٣ - المبتدأ في تلك الجمل مصدر أو اسم مصدر مثل مجالسة الصالحين وطاعة ولاة الامر واستثمار المال وارشاد المستشير وكف الأذى فلا بد أن يكون آداب أيضا مصدرا حتى يتناسق الألفاظ ويتناسب المعنى إذ ليس آداب العلماء زيادة في العقل بل المعاشرة معهم والاختلاف إليهم ومصاحبتهم وملازمة خدمتهم.
والأنسب عندي بعد فرض صحة الكلمة ان يقرأ ادآب العلماء مصدر باب الافعال من دأب يعني الالحاح والسؤال المتتابع والاصرار في ملازمتهم والتشرف بخدمتهم واستنباط المعارف منهم والدأب التتابع والتكرر قال تعالى (تزرعون سبع سنين دأبا) أي متتابعا وفي نسخة لنا مصححة مقروءة على المحدث الجزائري «أدب العلماء» وهو أحسن من «آداب» (ش).
(١٩١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 186 187 188 189 190 191 192 193 194 195 196 ... » »»
الفهرست