مهتديا بهداية الله ولم يأخذ علمه من الله تعالى إما بلا واسطة كالأنبياء والرسل أو بواسطة كالمتمسكين بذيل عصمتهم والراجعين في كيفية العمل والعلم إلى معدن طهارتهم فأشار إلى الأول بقوله (إنه لم يخف الله من لم يعقل عن الله) لأن من لم يكن علمه بذات الله وصفاته وشرائعه وأركان الأعمال وشرائطها وأحوال الآخرة مستندا إلى الله تعالى بأحد الوجهين المذكورين كان علمه إما تقليدا محضا كما في أكثر العوام وإما رأيا وقياسا كما في أكثر الناس وإما ظنا وتخمينا وجدليا كما في أكثر المتكلمين (1) الذين وضعوا لأنفسهم دلائل على هذه الأمور واستحسنوها وكل ذلك لا يوجب الخوف من الله سبحانه والخشية من عذابه، أما التقليد فظاهر لأنه لم يحصل لهم من الحقيقة الإلهية إلا الاسم ومن حقيقة الأحكام الشرعية وأركانها وشرائطها إلا الرسم، ومن أحوال الآخرة وشدايد أهوالها إلا اللفظ، والخوف منوط بادراك حقائق هذه الأمور، وأما القياس فهو أيضا ظاهر وكذا تخمين المتكلمين على أن أكثرهم القائلين بالفاعل المختار ينكرون السببية في الممكنات (2) ويجوزون مغفرة الكافر الشقي ومعاقبة المؤمن السعيد فلا يحصل لهم خوف وخشية، وإذا انتفى الخوف انتفى العمل وكماله والجد فيه، وأما العلماء الراسخون الآخذون علومهم من مشكاة النبوة فهم يعلمون الحقائق كما هي وصفات الواجب وما يجوز له وما يمتنع عليه وأحكام الدين وأركانها وشرائطها وأحوال الآخرة وشدائد أهوالها كأنهم يشاهدونها ويعلمون أن الله تعالى لا يظلم أحدا مثقال ذرة وأن ما يرجع إليهم من الخير والشر فهو من
(١٧٥)