شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ١ - الصفحة ١٧٥
مهتديا بهداية الله ولم يأخذ علمه من الله تعالى إما بلا واسطة كالأنبياء والرسل أو بواسطة كالمتمسكين بذيل عصمتهم والراجعين في كيفية العمل والعلم إلى معدن طهارتهم فأشار إلى الأول بقوله (إنه لم يخف الله من لم يعقل عن الله) لأن من لم يكن علمه بذات الله وصفاته وشرائعه وأركان الأعمال وشرائطها وأحوال الآخرة مستندا إلى الله تعالى بأحد الوجهين المذكورين كان علمه إما تقليدا محضا كما في أكثر العوام وإما رأيا وقياسا كما في أكثر الناس وإما ظنا وتخمينا وجدليا كما في أكثر المتكلمين (1) الذين وضعوا لأنفسهم دلائل على هذه الأمور واستحسنوها وكل ذلك لا يوجب الخوف من الله سبحانه والخشية من عذابه، أما التقليد فظاهر لأنه لم يحصل لهم من الحقيقة الإلهية إلا الاسم ومن حقيقة الأحكام الشرعية وأركانها وشرائطها إلا الرسم، ومن أحوال الآخرة وشدايد أهوالها إلا اللفظ، والخوف منوط بادراك حقائق هذه الأمور، وأما القياس فهو أيضا ظاهر وكذا تخمين المتكلمين على أن أكثرهم القائلين بالفاعل المختار ينكرون السببية في الممكنات (2) ويجوزون مغفرة الكافر الشقي ومعاقبة المؤمن السعيد فلا يحصل لهم خوف وخشية، وإذا انتفى الخوف انتفى العمل وكماله والجد فيه، وأما العلماء الراسخون الآخذون علومهم من مشكاة النبوة فهم يعلمون الحقائق كما هي وصفات الواجب وما يجوز له وما يمتنع عليه وأحكام الدين وأركانها وشرائطها وأحوال الآخرة وشدائد أهوالها كأنهم يشاهدونها ويعلمون أن الله تعالى لا يظلم أحدا مثقال ذرة وأن ما يرجع إليهم من الخير والشر فهو من

1 - ذم التقليد وهو الأخذ من غير دليل وذم الكلام أيضا وهو الأخذ بدليل جدلي أو ظني فبقى أن يكون الدين مستندا إلى دليل برهاني أو كشف عرفاني. (ش) 2 - هذا مذهب أكثر المتكلمين وهم الأشاعرة وأتباعهم من غيرهم فإنهم ينكرون التسبيب يقولون مثلا ليس النار علة للحرارة ولا الماء للبرودة ولا الشمس للنمو ولا السموم للقتل وهكذا ولكن عادة الله جارية بالاحراق عند ملامسة النار وغير ذلك.
وهذا مذهب باطل بل جعل الله لكل شيىء سببا لا يجاوز والفاعل المختار بالإرادة الجزافية غير حكيم والله تعالى حكيم فلا يفعل شيئا بالإرادة الجزافية، فإن قيل قد صرح صاحب التجريد نصير الدين الطوسي (قدس سره) والعلامة وغيرهما بأنه تعالى فاعل مختار فيكف يخطئه الشارح مع انه مذهبنا قلت الفاعل المختار عند متكلمي الشيعة ومن يعتد بقوله منهم ويؤخذ العلم عنه ويقول ما يقول عن تدبر وبصيرة، وما يكون مقابل الفاعل المضطر والفاعل بلا شعور فإن صدور الفعل عن الله تعالى ليس كصدور النور عن الشمس بلا شعور مضطرا ولا يريدون أن فعله تعالى كفعل الإنسان المختار بفكر وروية تارة يختار هذا وتارة يختار ذلك في ظرف وأمد ولا يخفى أن مثل هذا الكلام من الشارح وغيره من الحكماء صار منشأ، لأن ينسب إليهم القول بان الله فاعل موجب وهذا من قلة التأمل والشارح مع تصريحه هنا بالقدح في الفاعل المختار صرح في كلامه كثيرا بالقادر المختار كما مر وكل بمعنى. (ش)
(١٧٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 170 171 172 173 174 175 176 177 178 179 180 ... » »»
الفهرست