شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ١ - الصفحة ١٦٠
فيه ويرى أن ذلك الدواء بعينه لمريض آخر كالسم القاتل ويعالجه بغيره، كذلك النبي (صلى الله عليه وآله) والقائمون مقامه قد يرون أن بعض الأمور دواء لبعض النفوس فيقتصرون عليه ويأمرون به كالعزلة وقد يرون أن ذلك مضرا لغير تلك النفس فيأمرون بضد ذلك مثل المخالطة وإن أردت أوضح من ذلك فنقول: إما أن لا يكون في الخلطة خير أصلا أو يكون فيها خير والخير إما للطرفين أو لأحدهما، فهذه أربعة أقسام، ثم الخير إما خير في الدنيا فقط، أو في الآخرة فقط، أو فيهما، فينبعث منها أقسام يرجح في بعضها الخلطة وفي بعضها العزلة ويتساوي في بعضها الأمران، فللعاقل العالم المتدرب أن يختار منها ما يقتضيه عقله وتدبيره والله أعلم بحقايق الأمور (1).
(وكان الله انسه في الوحشة) الانس مصدر قولك آنست به انسا من باب حسب أو من باب ضرب وهو ضد الوحشة، والمشهور فيه ضم الهمزة وسكون النون وقد جاء بكسرة الهمزة قليلا بفتح الهمزة والنون جميعا، والحمل على سبيل المبالغة أو الانس بمعنى الأنيس ويؤيده أنه نقله صاحب العدة بلفظ الأنيس ويحتمل أن يقرأ آنسه على وزن الفاعل وأصله آنسا به أضيف إلى الضمير بعد حذف الجار من باب الحذف والايصال، وصح إطلاق الآنس عليه سبحانه كما قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في دعائه: «اللهم إنك آنس الآنسين بأوليائك» والوحشة بمعنى الخلوة أو بمعنى الهم والحزن الحاصلين له بسبب فقد الالفة بينه وبين بني نوعه وعشيرته أو بسبب الغربة والانفراد من جهة العزلة خصوصا في مباديها أو بسبب عدم تعاهده لذلك المكان إذ غير المألوف من المكان يوجب الوحشة كما يحكم به التجربة، ومحصل معناه أن المعتزل لو حصلت له وحشة ما لأجل تركه صحبة بني نوعه وعشيرته وسلوكه طريق الحق بالمحبة الراسخة والنية الصادقة والرغبة الكاملة كان الله أنيسه الذي يرفع وحشته ويدفع عنه حزنه وكربته ويصرف وجه قلبه إلى شطر كعبة وجوده ويسره بمطالعة أنوار كبريائه ومشاهدة إضافات جوده حتى يرى كل خير حاضرا وكل كمال ظاهرا، فهو بكرمه يألف، وبفضله يستزيد، وبرحمته يستفيض كل ما يريد.
(وصاحبه في الوحدة) والله سبحانه وإن كان صاحب الكل في كل الأوقات كما قال الله تعالى:
(ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا) لكن المقصود هنا إفادة الاختصاص كما يفيده الإضافة ووجه ذلك أن الرجل إذا ترك متاع الدنيا وأبناءها، وأعرض عن الاستماع به واقتنائه، واختار الوحدة والانفراد، وتمرن على الطاعة والانقياد، وأقبل بحسن الطوية إليها وحبس نفسه بزمام المشية عليها وفك عنه أغلال اللذات

1 - راجع تفصيل الكلام في مدح العزلة وذمها وفوائدها وغوائلها وكشف الحق فيها المحجة البيضاء في تهذيب الاحياء كتاب العزلة.
(١٦٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 155 156 157 158 159 160 161 162 163 164 165 ... » »»
الفهرست