شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ١ - الصفحة ١٥٩
والعبرة بمشاهدة الأحوال وكسب الأخلاف المرضية من أهلها وثواب التأهل والنكاح وتكثير الأولاد إلى غير ذلك من المنافع الدنيوية والاخروية، وينبغي أن يعلم أن كلا الاحتجاجين صحيح ولكن ليست العزلة أفضل من المخالطة مطلقا ولا المخالطة أفضل من العزلة مطلقا، بل كل في حق بعض الناس وفي بعض الأوقات بحسب المصالح، إذ لكل منهما مصالح وشرائط متفاوتة بحسب تفاوت الأشخاص والأوقات.
وقد مر أن من شرايط الاعتزال أن يبلغ الإنسان رتبة الكمال في القوة النظرية والعملية ويستغني عن مخالطة كثير من الناس وأن يعتزل المنهمكين في الدنيا الراغبين في حطامها السالكين سبيل العصيان التابعين لوساوس الشيطان فلو لم يبلغ المعتزل تلك المرتبة أو لم تكن الجماعة موصوفين بالصفات المذكورة كانت المخالطة أفضل والاجتماع لتحصيل المحبة والالفة أجدر وأكمل، وبالجملة النبي (صلى الله عليه وآله) ومن يقوم مقامه علماء حكماء وقد بينوا ما فيه صلاح الناس عاجلا وآجلا جليا وخفيا ولا ينافي تفاوته في أفرادهم كما أمروا بالنكاح تارة ونهوا عنه تارة وأباحوه تارة لتفاوت ذلك في أفراد البشر ومن أراد أن يعرف مقاصدهم من أوامرهم ونواهيهم وتدبيراتهم وتقديراتهم ينبغي أن يعلم طرفا من قوانين الأطباء ومقاصدهم من العبارات المطلقة، فإنه كما أن الأطباء معالجون للأبدان بأنواع الأدوية والعلاجات لغاية بقائها على صلاحها أو رجوعها إلى العافية من الأمراض البدنية كذلك النبي (صلى الله عليه وآله) ومن يقوم مقامه أطباء النفوس وهم مبعوثون لعلاجها من الأمراض النفسانية كالجهل والحقد والحسد والرياء وسائر رذايل الأخلاق بأنواع الكلام من الآداب والنصائح والمواعظ والأوامر والنواهي والضرب والقتل والاعتزال والاختلاط، وكما أن الطبيب قد يقول إن الدواء الفلاني نافع من المرض الفلاني ولا يعني به في كل الأمزجة وفي كل الأوقات وفي كل البلاد بل في بعضها، كذلك النبي (صلى الله عليه وآله) والقائمون مقامه إذا أطلقوا القول في شئ أنه نافع كالعزلة مثلا فإنهم لا يريدون أنه نافع لكل إنسان وفي كل زمان (1) وكما أن الطبيب قد يصف لمريض دواء ويصف شفاء

١ - فإن قيل ان الإطلاق يفيد التعميم فمن أين يفهم التخصيص ويعرف المورد الذي يخصص الحكم به؟ قلنا جميع ما ورد من هذه الأمور مقرون بقرائن ومبين بأسباب ومعلل بعلل يظهر منها المراد مثلا ورد في مدح العزلة «يعبد ربه ويدع الناس من شره» ويعلم منه أن حسن العزلة للعبادة وسلامة الناس من شر المعتزل ويعرف من ذلك أن المعاشرة إذا كانت عبادة كتعلم الدين والقرآن أو تعليمهما أو كسب الرزق الحلال للانفاق في سبيل الخير مع الامن من إضرار الناس وأذاهم فلا يرجح العزلة عليها وكذلك المعاشرة والصحبة مظنة الوقوع في المعاصي والحسد والغيبة وطول الآمال وبعث الشهوات الدنية والرغبة في حطام الدنيا وإعانة أهل الظلم والمعصية وتحسين أفعالهم السيئة والتسامح معهم بترك النهي عن المنكر وإذا لم تكن مستلزمة لهذه الأمور وأمثالها فلا ومثل ذلك الترغيب في كسب المال ومدح القناعة باليسير كلاهما معلل بعلل يعلم منها وجه كل منهما «ش».
(١٥٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 154 155 156 157 158 159 160 161 162 163 164 ... » »»
الفهرست