والعبرة بمشاهدة الأحوال وكسب الأخلاف المرضية من أهلها وثواب التأهل والنكاح وتكثير الأولاد إلى غير ذلك من المنافع الدنيوية والاخروية، وينبغي أن يعلم أن كلا الاحتجاجين صحيح ولكن ليست العزلة أفضل من المخالطة مطلقا ولا المخالطة أفضل من العزلة مطلقا، بل كل في حق بعض الناس وفي بعض الأوقات بحسب المصالح، إذ لكل منهما مصالح وشرائط متفاوتة بحسب تفاوت الأشخاص والأوقات.
وقد مر أن من شرايط الاعتزال أن يبلغ الإنسان رتبة الكمال في القوة النظرية والعملية ويستغني عن مخالطة كثير من الناس وأن يعتزل المنهمكين في الدنيا الراغبين في حطامها السالكين سبيل العصيان التابعين لوساوس الشيطان فلو لم يبلغ المعتزل تلك المرتبة أو لم تكن الجماعة موصوفين بالصفات المذكورة كانت المخالطة أفضل والاجتماع لتحصيل المحبة والالفة أجدر وأكمل، وبالجملة النبي (صلى الله عليه وآله) ومن يقوم مقامه علماء حكماء وقد بينوا ما فيه صلاح الناس عاجلا وآجلا جليا وخفيا ولا ينافي تفاوته في أفرادهم كما أمروا بالنكاح تارة ونهوا عنه تارة وأباحوه تارة لتفاوت ذلك في أفراد البشر ومن أراد أن يعرف مقاصدهم من أوامرهم ونواهيهم وتدبيراتهم وتقديراتهم ينبغي أن يعلم طرفا من قوانين الأطباء ومقاصدهم من العبارات المطلقة، فإنه كما أن الأطباء معالجون للأبدان بأنواع الأدوية والعلاجات لغاية بقائها على صلاحها أو رجوعها إلى العافية من الأمراض البدنية كذلك النبي (صلى الله عليه وآله) ومن يقوم مقامه أطباء النفوس وهم مبعوثون لعلاجها من الأمراض النفسانية كالجهل والحقد والحسد والرياء وسائر رذايل الأخلاق بأنواع الكلام من الآداب والنصائح والمواعظ والأوامر والنواهي والضرب والقتل والاعتزال والاختلاط، وكما أن الطبيب قد يقول إن الدواء الفلاني نافع من المرض الفلاني ولا يعني به في كل الأمزجة وفي كل الأوقات وفي كل البلاد بل في بعضها، كذلك النبي (صلى الله عليه وآله) والقائمون مقامه إذا أطلقوا القول في شئ أنه نافع كالعزلة مثلا فإنهم لا يريدون أنه نافع لكل إنسان وفي كل زمان (1) وكما أن الطبيب قد يصف لمريض دواء ويصف شفاء