(شكره) أي صرف اللسان في مدح المنعم والثناء عليه، وصرف جميع الجوارح فيما خلقن لأجله كصرف اللسان في الثناء والتعظيم وصرف البصر في مطالعة المصنوعات ليستدل به على وجود الصانع ووحدته وقدرته وحكمته وتدبيره وصرف القلب في التفكر في ذاته وصفاته ودقائق حكمته وآثار قدرته، وبالجملة العاقل من لا يمنعه كثرة نعم الله عليه ووفور أياديه لديه عن ذكر الله في جميع الأحوال والأزمان، وعن الاقرار له بالعظمة والجود والاحسان، وعن التذلل له والتخشع لديه وجلب المزيد منه، والتضرع إليه كما قال سبحانه (يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون) (ولا يغلب الحرام) هو كل ما لا يجوز التصرف فيه شرعا أو عقلا (صبره) في الفاقة والجوع والشدايد، ولا يخرجه التمكن من اكتساب الحرام عن سنن الشرائع وأصول القواعد ولا يقطع عنان اصطباره شموس النفس وجموح (1) الطبيعة بل يقمع نفسه بالمواعظ الحسنة ومقامع النصيحة ويرجو في ذلك أجر الصابر الحزين ومحبة رب العالمين كما قال سبحانه (إن الله يحب الصابرين).
(يا هشام من سلط ثلاثا على ثلاث فكأنما أعان على هدم عقله) كأنما أصله أن دخلت عليه كاف التشبيه وألحقت به «ما» الكافة فلذلك وقع بعده الفعل.
والهدم مصدر، هدم البناء أي نقضه وكسره، ففيه إستعارة تمثيلية لتشبيه الصورة المعقولة بالصورة المحسوسة لزيادة الايضاح والتقرير أو استعارة مكنية لتشبيه العقل بالبيت في أنه يكن صاحبه ويصونه من المكاره واستعارة تخييلية باثبات الهدم له، وإنما أدرج لفظ كأن وأعان ولم يقل: فقد هدم عقله للتنبيه على أن تسليط الثلاث على الثلاث إنما يوجب هدم المسلط عليه حقيقة إلا أن المسلط عليه لما كان من خصال العقل كما ستعرفه في التفصيل فكان هدم ذلك هدمه ويحتمل أن يكون كان ههنا مستعملا العلم بثبوت الخبر من غير قصد إلى التشبيه ويؤيده قوله في آخر التفصيل «ومن هدم عقله أفسد عليه دينه ودنياه» (من أظلم نور تفكره) في أحوال المبدء والمعاد، والإضافة من باب لجين الماء، لأن التفكر يشبه النور في الايصال إلى المطلوب أو بتقدير اللام والمراد بالنور العلوم الحاصلة من التفكر (بطول أمله) فيما لا ينبغي من المقتنيات الفانية المورثة لنسيان الآخرة وخمود التفكر وهو معنى الاظلام وذلك لأن طول توقع الأمور المحبوبة الدنيوية يوجب دوام ملاحظتها الموجب لدوام إعراض النفس عن ملاحظة أحوال الآخرة وهو يوجب انمحاء ما تصور في العقل من تلك الأحوال وذلك معنى النسيان وخمود نور التفكر ولذلك قيل: الدنيا والآخرة ضرتان لأن محبة