شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ١ - الصفحة ١٤١
(ليدبروا آياته) فيعرفوا ما فيه من الشرايع والأحكام والمواعظ والنصائح والعبر التي بها يتم نظامهم في الدارين ويصلح حالهم في النشأتين (وليتذكر اولو الألباب) أي وليعلم ما فيه من الأسرار الإلهية الربانية التي لا يهتدي إليها إلا ذوو العقول الكاملة والأذهان الثاقبة وهم أهل العصمة (عليهم السلام) فإن علوم الكتاب بعضها ظاهر سهل المأخذ يعرفه أكثر العلماء بالتدبر والتأمل فيه، وبعضها خفي لا يصل إليه إلا اولو الألباب وذوو العقول الكاملة العارية عن شوايب النقصان، وقيل:
الكتب الإلهية بيان لما لا يعرف إلا بالشرع وإرشاد إلى ما يستقل به العقل والتدبر للأول والتذكر للثاني، وقيل: الكتاب مشتمل على أسرار عظيمة ومعارف لطيفة وفائدة إنزاله أن يتدبر المتدبرون ويتفكر المتفكرون آياته، والغرض الأصلي من التدبر والتفكر وهو النظر والتأمل أن يحصل لهم الذكر أي المعرفة اليقينية بتلك الأسرار والمعارف، والتدبر لا يستلزم التفكر إذ رب متفكر لا ينتهي بفكره إلى المطلوب فالتدبر غير مختص باولي الألباب، بل يعمهم وغيرهم بخلاف التذكر فإنه مختص بهم، فقد ثبت أن غاية إنزاله ليس إلا التذكر المختص باولى الألباب، وهذا غاية المدح والتعظيم لهم، وفيه أن ظاهر العطف يقتضي أن كلا من التدبر والتذكر غاية مستقلة لانزاله (قال: (ولقد أتينا موسى الهدى) أي الدلالة على الدين أو ما يهتدي به إليه من المعجزات والصحف والشرايع (وأورثنا بني إسرائيل الكتاب) أي التوراة يعني تركناه بعده عليهم يتوارثونه ويأخذونه بعضهم من بعض ويحملونه ويحفظون ألفاظه ومدلولاته اللفظية ومعانيه الأولية وأحكامه الظاهرية (هدى وذكرى) مفعول له لقوله أورثنا أو حال عن فاعله أو عن الكتاب أي أورثناه لأجل الهداية والتذكير أو هاديا ومذكرا (لاولى الألباب) أي لذوي العقول الصحيحة السليمة وهم الراسخون في العلم العارفون بالله وصفاته وأفعاله العالمون بأحوال المبدء والمعاد المشاهدون لها بعيون البصائر المهذبون لأخلاقهم الظاهرة والباطنة: وملخصه: أن غير اولى الألباب من أهل الكتاب بمنزلة الخدمة لهم يحفظون الكتاب لئلا يندرس بطول الأزمنة فيبقي محفوظا لهؤلاء الكاملين في العقول وهم أوصياء موسى (عليه السلام) وعلماء امته فهم الممدوحون غاية المدح والتعظيم المقصودون من الثناء والتكريم، وفيه تنبيه على أن سبحانه أورث القرآن في هذه الامة بعد نبينا (صلى الله عليه وآله) هدى وذكرى لأولي الألباب وهم العلماء الراسخون من امته الأوصياء المرضيون من عترته لا يفارقهم القرآن ولا يفارقونه حتى يردوا عليه يوم القيامة كما قال (صلى الله عليه وآله) «إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله عز وجل وعترتي أهل بيتي ألا وهما الخليفتان من بعدي ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض» (1).

1 - أما من طريق العامة أخرجه مسلم ج 7 ص 122 والدارمي ح 2 ص 432 ومستدرك الحاكم ج 3 ص 109 وخصائص النسائي ص 30 ومسند أحمد ج 3 ص 14 و 17 و 26 و 59 و ج 4 ص 356 و 381 بألفاظ مختلفة وأما من طريق الخاصة فمروي بطرق متعددة.
(١٤١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 136 137 138 139 140 141 142 143 144 145 146 ... » »»
الفهرست