شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ١ - الصفحة ١٥١
العقل بكماله في العلم بالموجودات والإحاطة بالمعقولات (أرفعهم درجة في الدنيا والآخرة) لأن تفاوت الدرجات فيهما غاية أخيرة للأمور المذكورة وتفاوت الغاية في الكمال والنقصان باعتبار تفاوت ذي الغاية فيهما وهذا الحديث على ما قررناه من باب القياس المفصول النتايج ينتج أن أحسنهم استجابة أرفعهم درجة في الدنيا والآخرة (1) وفيه مدح عظيم للعقل حيث جعله أصلا لجميع الخيرات ومبدء للتفاضل في الدرجات كما يظهر ذلك بالتأمل الصادق لأنه جعل كمال الدرجات في الدنيا والآخرة الاستجابة كما يقتضيه مضمون النتيجة، وجعل كمال الاستجابة تابعا لكمال المعرفة وكمال المعرفة تابعا لكمال العقل فيفهم منه أن العقل أصل لجميع الكمالات ومبدء للتفاضل في الدرجات.
(يا هشام إن لله على الناس حجتين) أي دليلين (حجة ظاهرة) مشاهدة (وحجة باطنة) مستورة (فأما الظاهرة فالرسل والأنبياء والأئمة (عليهم السلام)، وأما الباطنة فالعقول) لما خلق الله جل شأنه النفوس البشرية واسطة بين النجدين، مستعدة لسلوك الطريقين طريق الخير وطريق الشر.
قابلة للضدين من الصفات الشريفة والسمات الرذيلة مايلة إلى اكتساب الحسنات متشوقة اقتراف السيئات لما فيها من اللذة الحاضرة والمنفعة الظاهرة وأيدها بالقوى الشهوية والغضبية وغيرها من القوى الطبيعية الداعية إلى الشر الناهية عن الخير كانت النفوس لذلك ولما يوحى إليها إبليس وجنوده من الشر أقرب ومن الخير أبعد فالله سبحانه أخذ باعهم برحمته في تيه الضلالة بتبيين المنهج وتعيين الحجج، فجعل عليهم حجتين إحديهما ظاهرة والأخرى باطنة، أما الظاهرة فهم الأنبياء والرسل والأئمة (عليهم السلام) لأنهم أنوار ساطعة في بلاده وبراهين ظاهرة في عباده يدعونهم إلى سبيل النجاة ويخرجونهم من غياهب الظلمات (2) ويحركونهم من حضيض النقص والوبال إلى أوج الفضل والكمال، فمن تبعهم فقد اهتدى ومن تخلف عنهم فقد غوى، وأما الباطنة فهي العقول لأن بها تميز الحق من الباطل والصواب من الخطاء والسعادة من الشقاوة، والحسن من القبيح والخير من الشر وتأمرهم في كل ذلك باتباع أشرف المناهج وأقوم السبل واستماع ما يتلو عليهم الأنبياء والرسل; ويحكم بأن في ذلك حسن عاقبتهم وسعادة خاتمتهم كل ذلك ليحيى من حي عن بينة ويهلك من هلك عن بينة.
(يا هشام إن العقل الذي لا يشغل) من شغل لامن أشغل فإنه لغة ردية والموصول خبر «ان» (الحلال) وهو كل ما يجوز التصرف فيه والانتفاع به شرعا وعقلا من الأموال والأزواج وغيرها

1 - والعاقل أكثر ثوابا في الآخرة كما يأتي ان شاء الله تعالى (ش).
2 - الغيهب - كزيبق - الظلمة، الشديد السواد من الخيل والليل، جمعه غياهب.
(١٥١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 146 147 148 149 150 151 152 153 154 155 156 ... » »»
الفهرست