شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ١ - الصفحة ١٥٠
كماليه فإنما تستعدها لكونها في نفسها خالية عن الفعلية والوجود الذي من جنسها وإلا لم تكن قابلة فكذلك النفس ما لم تصر موصوفة بصفة التواضع والفقر لم تصر مطية للعقل الذي هو الصورة الكمالية التي بها تصير الأشياء معقولة للانسان فليتأمل وفي صدر هذا الكلام استعارة مصرحة وفي آخره تشبيه بليغ (وكفى بك جهلا أن تركب ما نهيت عنه) ارتكاب المنهي عنه من آثار الجهل وعلاماته وقد شبهه بالمركوب لأن الإنسان بسببه يتقلب في عالم اللذات الجسمية وينتقل إلى أسفل السافلين كما أنه بالتواضع لله وانقياد أحكامه والعمل بها يتقلب في عالم المجردات ويرتقى إلى أعلى عليين، ففي الكلام استعارة مصرحة وذكر الركوب ترشيح وقيل في بيان هذا الكلام أن جميع المناهي أمور محسوسة ولذات جسمانية واشتغال النفس بها يوجب تقيدها بالصور الجسمية فيحجب العقل عن إدراك الصور العقلية لأنها تضاد تلك الصور، وينبغي أن يعلم أن العقل إما مستقيم أو راجع أو مقيم والاستقامة بأن يسير إلى أعلى عليين ومركبه التواضع، والرجوع بأن يسير إلى أسفل السافلين ومركبه المناهي، والإقامة بأن يقف في هذا العالم ويشتغل بالمباحات، وهذا وإن كان مذموما من حيث أنه مفوت للمقصود ولكنه غير مذموم من حيث أنه لم يشتغل بالمناهي وغير ممدوح من حيث أنه لم يتصف بالتواضع فلذا لم يذكره (عليه السلام) واقتصر على الأولين لأن المدح والذم إنما يتعلقان بهما وينبغي أن يعلم أيضا أن الجهل عند العترة (عليهم السلام) هو ارتكاب المناهي وإن كان المرتكب لها عالما بل هو عندهم في الحقيقة أجهل والذم المتعلق به أشنع وأكمل فمن ادعى كونه عالما عاقلا واختار الدنيا وشهواتها وآثر الزهرات الفانية ولذاتها فهو مفتون بالضلالة وملتبس بلباس الجهالة.
(يا هشام ما بعث الله أنبياءه ورسله إلى عباده إلا ليعقلوا عن الله) أي ليعرف العباد ويعلموا بتعليم الرسل وتفهيمهم من الله مالا يعلمون من عند أنفسهم أو ليؤدي الرسل عنه ما لزمه من هداية عباده وإرشادهم إلى دين الحق من عقلت عن فلان إذا أديت عنه ما لزمه (فأحسنهم استجابة) أي أحسن العباد أو أحسن الرسل استجابة لله تعالى بالطاعة والاجتهاد والصبر والانقياد وكذا ضمير الجمع في الفقرات الآتية يحتمل الأمرين إذ كما أن درجات العباد متفاوتة كذلك درجات الرسل كما نطقت به الآيات والروايات الكثيرة (أحسنهم معرفة) بالله وآياته وغيرها من مصالح الدنيا والآخرة، وذلك لأن حسن الاستجابة تابع لحسن المعرفة فكلما زاد حسن الأصل زاد حسن الفرع (وأعلمهم بأمر الله) يعني أحسنهم معرفة بأحكامه وشرايعه (أحسنهم عقلا) لأن حسن العلم والمعرفة تابع لحسن العقل (وأكملهم عقلا) يعني أحسنهم عقلا وإنما عبر عنه بذلك للتفنن وللتنبيه على أن حسن
(١٥٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 145 146 147 148 149 150 151 152 153 154 155 ... » »»
الفهرست