شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ١ - الصفحة ١٤٧
(وحشوها الإيمان) بالله وبصفاته وأفعاله وبجميع ما أنزله إلى رسوله وإنما شبه الايمان بما في السفينة من المتاع وأنواع ما يتجر به لأنه حافظ للتقوى عن الانقلاب والاضطراب مثل ما في السفينة أو لأنه ينفع بعد الخروج من الدنيا، كما أن ما في السفينة ينفع جالسها بعد الخروج من البحر إذ لو خلت سفينة التقوى عن الايمان بقي صاحبها بعد خروجه من الدنيا فقيرا مضطرا متحيرا في أمره مستحقا للعذاب. وشراعها التوكل شراع السفينة بالفارسية بادبان كذا في المغرب والشين مكسورة، والتوكل إظهار العجز والاعتماد على الله والوثوق به في جميع الأمور وتفويضها إليه وهو درجة عليه للعارفين ومنزلة رفيعة للسالكين، من وصل إليها بطلت عنه قيود الهموم، وتقشعت عنه سحائب الغموم، وارتفعت بواعث الاضطراب، وانقطعت عنه دواعي الاكتساب، وسبحت عليه مزن الأمن والايمان، وجلس على موائد الرحمة والرضوان وارتوى من حياض الفيوضات الربانية وشبع من موائد الكرامات الرحمانية وإنما شبهه بالشراع لأن سفينة التقوى المحشوة بالايمان لا تسير بدونه، إذ من لم يعتقد أن الأمور كلها يجري بأمر الله والأرزاق كلها بيد الله وأنه المتكفل لها يعتقد بأسبابها ويشتغل بتحصيل تلك الأسباب فيمنعه ذلك عن السير إلى المقامات العالية وطلب الوصول إليها بالطاعات ويضعف اعتقاده بالمبدء كما أن غير المتوكل من المسافرين في هذه الدنيا يشتغل بتحصيل الأسباب وينتظر وجود القوافل والرفيق حذرا عن عدم القوت وخوفا عن قاطع الطريق فيبقى مقيما في آونة من الزمان منتظرا في مدة لحصول الأسباب واجتماع الإخوان. (وقيمها العقل) العقل (1) جوهر قلبي قابل لمعرفة الصانع وما يتعلق به، أي معرفة الآخرة وما يتعلق بها، وهو مبدء التقوى وبه ضبطها وحفظها وسيرها ونقل صاحبها إلى ساحة حضرة القدس وقرب الحق فهو بمنزلة قيم السفينة وربانها (2) في إصلاحها وضبطها وحفظها من المفاسد والخلل الواردة عليها فكما أنه لو لم يكن للسفينة قيم لفسدت امورها وبطلت أوضاعها وتعطلت أحوالها بحيث لا تصلح لقطع البحر الزاخر ويصير أهلها مشرفا بالهلاك كذلك لو لم يكن للمتقى عقل ينهدم أساس تقواه إذ لم يتميز عنده الحق من الباطل، والصحيح من الفاسد، ومخاطرات الشيطان من إلهامات الرحمن. (ودليلها العلم) الدليل ما يهديك إلى شئ سمي العلم دليلا لأنه يدل العقل على الطريق المستقيم ويهديه إلى المنهج القويم كما أن دليل المسافرين يهديهم إلى سواء السبيل والكواكب دليل قيم السفينة وبه يهتدي إلى الطريق بل النسبة بين العلم والعقل أكد من النسبة بين الكواكب والقيم إذ

1 - العقل عند العامة عرض من العوارض النفسانية وعند الحكماء جوهر مستقل وهو الذي اختاره الشارح وأمور الآخرة تدرك بالعقل كما أن المبدء أيضا يعرف به ولذلك لم يكلف الحيوان وان قوى حواسه المدركة للجسمانيات بمعرفة المبدء والمعاد (ش).
2 - ربان - كرمان - من يجرى السفينة.
(١٤٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 142 143 144 145 146 147 148 149 150 151 152 ... » »»
الفهرست