العقل لا ينفك عن العلم فأن نسبته كنسبة النور إلى السراج ونسبة الرؤية إلى البصر.
(وسكانها الصبر) السكان ذنب السفينة لأنها به تقوم وتسكن; والصبر في الأصل الحبس يقال:
صبرت نفسي على كذا أي حبستها ويطلق على حبسها على الطاعة بأن يربطها عليها ليلا ونهارا ويقدم عليها سرا وجهارا، وعلى المصيبة بأن لا يجزع ولا يشكو، وعلى الفاقة والمسكنة بأن يرضى بها ولا يسأل غير الله سبحانه أصلا، وعلى الغنى بأن لا يغتر به ولا يتكبر ويؤدي الحقوق المالية وعلى المجاهدات الطويلة والرياضات الشديدة بأن يقوم عليها طلبا للوصول إلى المقامات العالية وعلى الأمراض والبلايا بأن يرضى بها ولا يشكو لها وإنما شبهه بالسكان لأنه كما يتوقف سير السفينة وتقويمها وتسديدها وتسكينها وثباتها بالسكان يعرف ذلك ربانها وقيمها بعلمه وتدبيره كذلك يتوقف سير سفينة التقوى إلى حضرة القدس وقرب الحق في تقويمها وتسديدها وتسكينها وثباتها بالصبر على الأمور المذكور لظهور أن ارتقاء النفس من حد النقص إلى حد الكمال ومن المنازل البشرية إلى المنازل الإلهية لا يتحقق إلا بتحولات كثيرة (1) وانتقالات عديدة وانقلابات شديدة ومجاهدات عظيمة في مدة طويلة مع النفس المايلة إلى الراحة فيحتاج إلى صبر كامل وعزم ثابت ولذلك أمر الله سبحانه أشرف الكاملين الصديقين الراسخين بقوله (فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل) وتلك الأمور ستة ضرورية (2) النجاة من العقوبة الدنيوية والاخروية، والفوز بالسعادة الدايمة الأبدية.
(يا هشام إن لكل شئ) وهو يطلق على الموجودات أو على المعدومات أيضا عند المحققين (دليلا) وهو الموجودات عبارة عما يقتضي وجودها أو العلم بها من الأسباب والشرائط والآثار، وإنما سمي هذا دليلا لأن الأشياء بسببه تنتقل من العدم إلى الوجود كما أن المسافر بالدليل ينتقل من بلد إلى بلد، وأما المعدومات فدليلها (3) عدمي أعني عدم ما يقتضي وجودها فإنه سبب لنقل العدم من آن إلى آن آخر، ومن زمان إلى زمان آخر (ودليل العقل التفكر) في أبواب المعارف وأحوال المبدء والمعاد وما يتبعهما وإنما صار التفكر دليل العقل لأن العقل بسببه ينتقل من عالم الجهالة والسفالة