شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ١ - الصفحة ١٤٦
[زعم] أن له وجودا وكمالا غير ما هو رشح من رشحات بحر وجوده وتفضله (1) فهو في غطاء شديد وحجاب عظيم عن درك الحقيقة.
(يا بني إن الدنيا بحر عميق) هذا تشبيه بليغ بحذف الأداة وحمل المشبه به على المشبه للمبالغة في الاتحاد ووجه التشبيه تغيرها وانقلابها واضرابها وعدم ثبات ما فيها من صور الكائنات كتغير البحر وانقلابه واضطرابه بالأمواج المتعاقبة أو إهلاك من دخل فيها وركن إليها ومشى عليها بقدم الضلالة والطغيان وأخذها بيد الجهالة والعصيان وهذا الوجه أظهر ولما كان وجوده في الأصل ظاهرا محسوسا بخلاف وجوده في الفرع أوضحه بقوله (قد غرق) أي هلك (فيها عالم كثير) لانهماكهم في لذاتها وانغمارهم في زهراتها واشتغالهم بشواتها وإغماض بصيرتهم عن الآخرة وأحوالها وتركهم ما يوجب النجاة عن عقباتها والخلاص من عقوباتها وجعلهم قوله تعالى (ولا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور) من وراء ظهورهم ورضائهم باللذات الحاضرة الهالكة والمنافع المغوية الباطلة بغرورهم فكأنهم لم يسمعوا قوله سبحانه (وعد الله لا يخلف الله وعده ولكن أكثر الناس لا يعلمون) (يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون) وإنما خص العالم بالذكر لأن هلاكه محل التعجب وأما الجاهل فلا اعتناء به لعدم اتصافه بالحقيقة الإنسانية واللطيفة الروحانية، أو لأن حكمه يعلم بالأولوية وفي الكلام استعارة تبعية لأنه شبه الهلاك بالغرق واشتق منه فعل فوقع التشبيه في المشتق بتبعية المصدر وهي تأكيد لتشبيه الدنيا بالبحر باعتبار أنه أثبت المشبه في المشتق بتبعية المصدر وهي تأكيد لتشبيه الدنيا بالبحر إيماء لطيف إلى أنه يجب لأهلها أن لا يقصدوا الإقامة فيها والركون إليها، بل يجب لهم أن يقصدوا المرور منها إلى ساحلها أعني دار الآخرة كما أن راكب البحر لا يقصد الإقامة فيه والركون إليه بل غرضه المرور إلى ساحله، ولما شبه الدنيا بالبحر وكان سائر البحر يحتاج إلى آلات للنجاة منه والوصول إلى الساحل سالما غانما كان السائر في الدنيا أيضا محتاجا في المرور منها والوصول إلى جناب الحق ونعيم الأبد إلى أمور للنجاة منها، وقد بين هذه الأمور وشبهها بتلك الآلات في كونها أسبابا للنجاة بقوله (فلتكن سفينتك فيها تقوى الله) وهي ملكة التجنب عن المعاصي والتنزه عما يشغل السر عن الحق وإنما شبهها بالسفينة لأن من اتصف بالتقوى وجلس فيها يطفو الدنيا ويأمن من الرسوب فيها كما أن جالس السفينة يطفوا البحر ويأمن من الرسوب فيه.

1 - حققه صدر المتألهين أكثر كتبه وعليه مبنى حكمته فوجود الممكن ليس وجودا في نفسه وبنفسه ولنفسه بل هو نظير المعنى الحرفي الذي لا استقلال له ولا يمكن أن يتصور وحده من غير ان يتصور معه اسم أو فعل وأصل الوجود وحقيقته هو الله تعالى وما سواه ليس بشئ ومن لم يعرف ذلك فلم يعرف شيئا على ما ذكره الشارح (ش).
(١٤٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 141 142 143 144 145 146 147 148 149 150 151 ... » »»
الفهرست