شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ١ - الصفحة ١٤٠
من الخوف لأنه خوف مع الاحتراز عن المعاصي وإنما أضاف الحذر إلى الآخرة لا إلى عذابه وأضاف الرجا إلى رحمته للتنبيه على أن الرجاء أفضل وبحضرة الربوبية أليق ولذلك أيضا أضاف الرحمة إلى الرب والرب إلى الضمير مع ما فيه من الدلالة على الاستعطاف والاختصاص ورجحان الرحمة على العذاب (قل هل يستوي الذين يعلمون) وهم القانتون الموصوفون بالصفات المحمودة المذكورة (والذين لا يعلمون) وهم التاركون للقنوت، وهذه الآية على هذا التفسير بيان للسابق وإشارة إلى أن منشأ تلك الصفات هو العلم ومنشأ عدمها هو الجهل وتنبيه على شرف العلم والفضيلة وفضل العلماء على الجهال ونفي لاستواء الفريقين باعتبار القوة العلمية كما أنا السابق نفي لاستوائهما باعتبار القوة العملية للاشعار بأن الحقيقة الإنسانية إنما تتسم بالنباهة والجلال وتتصف بالفضيلة والكمال باعتبار العلم والعمل فمن لم يتصف بهما ليس له من وصف الإنسانية إلا اسم ولا من حقيقتها إلا اسم، وإنما أخر العلم عن العمل مع أن العمل تابع له، متوقف عليه للتنبيه على أن العمل هو الغرض الأصلي من العلم حتى أن العالم إذا لم يعمل بعلمه كانت الحجية عليه أعظم والحسرة عليه أدوم، أو للدلالة باختلاف الآثار الظاهرة أعني العبادة وعدمها على اختلاف مباديها الباطنة أعني العلم والجهل فكان من قبيل اثبات معقول بمحسوس، وقيل: وجه الترتيب بين الأوصاف المذكورة أن الإنسان عند قيامه بوظايف الطاعات ومواظبته عليها ينكشف له في أول الامر مقام القهر المقتضى للخوف والحذر ثم ينكشف له بعده مقام الرحمة الباعث للرجاء ثم يحصل له بعده أنواع العلوم والمكاشفات فالعلم على هذا تابع للأوصاف المتقدمة ولذلك أخره عنها (إنما يتذكر أولو الألباب) يعني أن هذا التفاوت العظيم بين العالم والجاهل وبين القانت وغيره لا يعرفه إلا ذوو العقول الكاملة الخالصة عن غواشي الأوهام لأنهم القادرون على التمييز بين الحق والباطل بما لهم من بصيرة عقلية وقوة روحانية دون غيرهم ممن كان على بصائر عقولهم غشاوة وفي صفحات قلوبهم قساوة وقد روي عن الباقر (عليه السلام) أنه قال في تفسير هذه الآية: (نحن الذين يعلمون وعدونا الذين لا يعلمون وشيعتنا اولو الألباب) (1) وعن الصادق (عليه السلام) «أن الآية نزلت في وصف علي (عليه السلام) وذم أبي الفصيل» (2) يعني أن عليا (عليه السلام) لكونه قانتا بالأوصاف المذكورة وعالما بأن محمدا (صلى الله عليه وآله) رسول الله ليس مثله، وهو لا يقنت ولا يعلم ذلك ويقول باطنا أنه ساحر كذاب وما نقلناه معنى الحديث والحديث المذكور في كتاب الروضة قبل حديث الصيحة.
وقال: (كتاب أنزلناه إليك مبارك) مبارك بالرفع على القراءة المشهورة صفة للكتاب أو خبر بعد خبر، وبالنصب على الحالية في بعض القراءة ومعناه نفاع من البركة وهي في الأصل الزيادة والنمو

1 - رواه البرقي في المحاسن كما تقدم.
2 - روضة الكافي تحت رقم 246.
(١٤٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 135 136 137 138 139 140 141 142 143 144 145 ... » »»
الفهرست